بيروت ـ عمر حبنجر
كان جنوب لبنان أمس مسرحا لجريمة سياسيا أرخت بظلالها على مجمل اهتمامات اللبنانيين، حكومية كانت أم صحية أم اقتصادية، فلقمان سليم، الناشط السياسي المناهض لمسار حزب الله في لبنان، شخصية شيعية فكرية معروفة، تعرض للخطف، وسرعان ما وجد مقتولا صباح امس داخل سيارته المؤجرة في بلدة العدوسية في قضاء الزهراني، وقد أجهز عليه بخمس رصاصات، في الرأس والظهر، وفقد هاتفه، الذي سرعان ما عثر عليه على مسافة قريبة من مكان وجوده مع السيارة.
والهاتف عمليا هو من أرشد الى مكان وجود جثته، بعد انقطاع الاتصال بينه وبين عائلته.
وقد جرت عملية الخطف والقتل بعيد خروج لقمان من منزل صديقه محمد شبيب الأمين في مزرعة «نيحا» في بلدة صريفا بقضاء صور، وقدر الطبيب الشرعي أن جريمة القتل حصلت في الحادية عشر ليلا، وطلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات اجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة ملابسات جريمة اغتيال سليم.
وشدد الرئيس عون على ضرورة الإسراع في التحقيق لجلاء الظروف التي أدت الى وقوع الجريمة والجهات التي تقف وراءها.
وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أن جريمة اغتيال سليم «النكراء، يجب ألا تمر من دون محاسبة».
وكلف دياب «وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي الإيعاز إلى الاجهزة الامنية الاسراع في تحقيقاتها لكشف ملابسات جريمة اغتيال الناشط لقمان سليم وملاحقة الفاعلين والقبض عليهم واحالتهم الى القضاء بأسرع وقت ممكن».
وتدفقت ردود الفعل الشاجبة لجريمة اغتيال الناشط الفكري والسياسي، وابن نائب الضاحية الراحل المحامي محسن سليم، المناهض لتحكم ثنائي حزب الله وحركة أمل بمسارات الطائفة الشيعية في لبنان. وكانت حركة أمل في طليعة المستنكرين، وقد طالب مكتبها الاعلامي بتحقيق امني وقضائي بسرعة. بدوره، استنكر تيار المستقبل بشدة ومثله الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتلة الوطنية الذي كان والد الراحل ينتمي اليه. واستنكر النائب السابق باسم السبع الجريمة وقال «ان اغتيال الناشط لقمان سليم رسالة مباشرة لكل الناشطين والكتاب والسياسيين من ابناء الطائفة الذين يتحركون وينشطون ويعبرون عن أفكارهم خارج المدار السياسي لحزب الله. هذا هو، مع الأسف، الانطباع الذي يسود بعد اغتيال لقمان».
من جهته، أبدى منسق الأمم المتحدة الخاص في لبنان يان كوبيتش انزعاجه للغاية «من الخسارة المأسوية للقمان سليم الناشط والصحافي المحترم، والصوت المستقل الصادق الشجاع»، ودعا السلطة الى تحقيق لا يتبع نمط التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الذي بقي بعد 6 أشهر غير حاسم ومن دون محاسبة «يجب أن يعرف الناس الحقيقة».
بدورها، علقت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو على الجريمة، مشيرة في تصريح على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أنها تلقت بحزن عميق وبقلق شديد نبأ اغتيال لقمان سليم، وقالت «أتقدم بأحر التعازي لعقيلته، وأسرته وأقاربه».
ولفتت تغريدة للسيد جواد نصرالله، نجل الامين العام لحزب الله، بعد دقائق من انتشار خبر العثور على سليم مقتولا وفيها: «خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب بلا أسف»، الامر الذي اعتبره البعض شماته بمقتل سليم. وعاد نصرالله وحذف التغريدة، قائلا «مسحت التغريدة التي يريد البعض فهمها على ذوقه، مع العلم اني كتبتها بمنأى عن اي خبر او حدث وهي شيء شخصي، منعا للبس وللاستفراغ الاخلاقي لدى البعض الذي بات معروفا بحقده وتفاهته في مقاربة الأمور».
على الصعيد الحكومي، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة السفير المصري لدى لبنان د.ياسر علوي على مدى ساعة وتناول البحث الاوضاع العامة ومباحثات الحريري في القاهرة. وقال مصدر متابع لـ «الأنبا» ان الرئيس المكلف سعد الحريري، كان ولايزال يطمح لتشكيل الحكومة قبل 14 فبراير، ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري، لكن يبدو ان ثمة من يدرك تمنياته ولا يريد لها ان تتحقق.
في هذا السياق، وجهت السفيرة الفرنسية كلمة لمناسبة ذكرى مرور ستة أشهر على انفجار الرابع من اغسطس في مرفأ بيروت، جاء فيها «أصدقائي اللبنانيين، منذ ستة أشهر، قلب انفجار مرفأ بيروت المروع حياتكم رأسا على عقب. أصاب بيروت في الصميم، ومعها لبنان بأسره. سرعان ما حشدت فرنسا طاقاتها ومعها الفرنسيون لأنها تحمل لبنان في قلبها. بعد مرور يومين فقط على الفاجعة، كان رئيس الجمهورية إلى جانبكم».
وأضافت «اليوم، في ظل الإقفال العام في لبنان والوضع الصحي المأسوي، لا تزال فرنسا تقف إلى جانبكم، لكن بعد مرور ستة أشهر على الانفجار، من غير المقبول أن يكون اللبنانيون لا يزالون ينتظرون أجوبة من قادتهم». ولكن بعد مرور ستة أشهر على الانفجار، من غير المقبول أن يكون لبنان لا يزال من دون حكومة للاستجابة للأزمة الصحية والاجتماعية وللبدء بتطبيق الإصلاحات الهيكلية الضرورية لتعافي البلاد واستقرارها. فالالتزامات التي تم اتخاذها أمام رئيس الجمهورية ما زالت حبرا على ورق.
وختمت بالقول للقادة اللبنانيين «أود أن أجدد لكم القول إن مسؤوليتكم الفردية والجماعية أساسية. تحلوا بالشجاعة اللازمة للعمل وفرنسا ستساعدكم».
شقيقة القتيل: لا نثق في القضاء اللبناني
أكدت رشا الأمير شقيقة الكاتب والناشط السياسي لقمان سليم الذي وجد مقتولا داخل سيارته في جنوب لبنان، أن العائلة لا تثق بالقضاء اللبناني ولا بتحقيقاته.
وسئلت عن مجريات التحقيق في الجريمة فقالت: التحقيق لا يهمني، الكل يعرف الفاعل، جميع الجرائم التي وقعت لم يكشف مرتكبوها. فليستقيلوا، إنهم يعرفون القتلة.
وقالت شقيقة لقمان رشا الأمير للإعلاميين الذين هرعوا إلى منزله في حارة حريك بالضاحية الجنوبية: لقد كان لقمان مهووسا بالحقيقة المطلقة، كنت أحذره خوفا مني عليه، لكنه كان يجيب بالقول: الموت لا يخوف، الحقيقة يجب أن تقال.