في وسط لندن، يقف تمثال للقائد العسكري البريطاني في القرن الثامن عشر روبرت كلايف ممسكا بسيف في غمده، لكن هذا المعلم لا يروق للجميع في بريطانيا التي تعيش مرحلة مراجعة ذاتية عن ماضي البلاد الاستعماري وسبل تعليمه.
إثر الزخم الذي اكتسبته حركة «حياة السود مهمة» العام الماضي، سحبت معالم متصلة بحقب الاستعباد أو الاستعمار من الأماكن العامة في بريطانيا، لكن ذلك لم يشمل تمثال كلايف الحاكم العام للبنغال في القرن الثامن عشر، إذ لايزال صامدا قبالة مقر وزارة الخارجية.
ويقول الكاتب ساتنام سانغيرا إن إبقاء هذا التمثال يشكل نوعا من «الإذلال»، نظرا إلى دوره في استغلال ملايين الهنود.
ويستكشف سانغيرا في روايته «إمباير لاند»، العلاقة الصعبة للمملكة المتحدة مع ماضيها الاستعماري الذي يخضع للمراجعة منذ التظاهرات المناهضة للعنصرية في العام الماضي.
وخلال إحدى هذه التظاهرات، أسقط تمثال إدوارد كولستون المعروف باتجاره في العبيد، قبل رميه في ميناء بريستول في جنوب غرب إنجلترا.
ورغم عدم مناداته بالتعامل على هذا النحو مع تمثال روبرت كلايف، يعتبر ساتنام سانغيرا أن الوقت حان لمراجعة التاريخ الاستعماري البريطاني بصورة أفضل.
غياب عن المناهج
وكانت الإمبراطورية البريطانية التي قامت بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، الأكبر في العالم وهي كانت تحكم في أوجها ربع سكان العالم، ما أعطى لندن موقع قوة عظمى.
ويقول سانغيرا إن تعليم هذا التاريخ في المدارس البريطانية «معطل حقا».
ولايزال هذا الكاتب المنتمي إلى طائفة السيخ مذهولا إزاء إغفال مشاركة القوات الهندية في الحرب العالمية الأولى من كتب التاريخ التي تتلمذ عليها خلال مرحلة الدراسة.
ويوضح سانغيرا لوكالة فرانس برس «طوال القرن العشرين، لطالما جرى طمس مساهمة الأشخاص ذوي البشرة الملونة» في التاريخ، و«الوضع مستمر على هذه الحال ما يجعل محادثاتنا بشأن المسائل العرقية تقوم على نفاق حقيقي».
وهو يشرح في كتابه أن القرار بإلغاء العبودية يأخذ مساحة أكبر في مناهج التاريخ في البلاد من السجل البريطاني في هذا المجال.
ويقول «رغم أن البريطانيين أفادوا من العبودية لعقود طويلة، وعنفوا واستغلوا ملايين الأشخاص»، لكن «الرواية الأساسية باتت تتمحور على إلغاء بريطانيا العبودية».
ولتصحيح هذا الاختلال، اغتنمت أوريانا غوي وهي أم لصبيين، فترة إغلاق المدارس بسبب الأزمة الصحية لنشر محتويات إلكترونية لأهالي آخرين بشأن تاريخ السود.
وهي توضح لوكالة فرانس برس «شعرت أن من الرائع وجود موارد يمكن للأهل متابعتها مع أبنائهم والتحدث معهم عن إنجازات السود في العالم أجمع».
تحسين فهم التاريخ
تتشارك إيسمي جيكييمي-بيرسون (20 عاما) هي أيضا هذا الكفاح من خلال حركة «إيمباكت أوف أوميشن» (تأثير الإغفال) التي شاركت في تأسيسها، من أجل تعزيز ذكر التاريخ الاستعماري في المناهج الدراسية.
وقبل عام من تحركات «حياة السود مهمة»، «صدمت» هذه الطالبة في مدينة إيستر في جنوب غرب إنجلترا إزاء تجاهل العبودية في منهج شهادة الثانوية العامة.
وتقول «كانت لدينا حصص مخصصة للثورة الصناعية، وطوال هذه الحصص لم يرد ذكر العبودية».
وتناولت هذه الحصص طريقة استخدام القطن في المصانع البريطانية بعد القرن الثامن عشر، من دون أي ذكر لـ«مصدر القطن» من المزارع التي تشغل عبيدا في أميركا.
وقد ناقش البرلمان عريضة أطلقتها تطالب بتصحيح تدريس التاريخ الاستعماري في البلاد حازت حوالى 286 ألف توقيع، غير أن هذه التعبئة المتنامية تواجه أيضا ببعض التردد، خصوصا عندما كتب متظاهرون على تمثال لوينستون تشرشل كلمة «عنصري»، وتحمل جهات خصوصا على سياسته التي قادت إلى وفاة ملايين الهنود خلال المجاعة سنة 1943.
وقد لقيت هذه الخطوة انتقادا حادا من رئيس الوزراء بوريس جونسون مؤلف كتاب سيرة عن تشرشل الذي دعا إلى عدم إجراء «رقابة على الماضي».
ويوضح ساتنام سانغيرا أن الهدف ليس وضع تقويم إيجابي أو سلبي للإرث الاستعماري البريطاني، لكن تحسين فهمه. ويقول «لا يمكن وضع حصيلة متوازنة عن تاريخ استمر 500 سنة».