يكافح سوق الصفارين، أحد أشهر المعالم وسط العاصمة العراقية بغداد، للبقاء والمحافظة على إرثه التاريخي، وسط العديد من التحديات من بينها أزمة فيروس كورونا.
ويقع سوق الصفارين (أو سوق الصفافير كما يسمى محليا نسبة لمعدن النحاس الذي يسميه العراقيون بالصفر نسبة الى لونه الأصفر) على الضفة الشرقية لنهر دجلة وسط بغداد القديمة، ويشتهر بصناعة الأواني المنزلية والصحون وأباريق الشاي والقهوة وقدور الطبخ، وإطارات الصور، والفوانيس النحاسية والنقش عليها.
كما يضم السوق بين جنباته أشكالا مختلفة من الأواني النحاسية التي يطرز النقاشون عليها المعالم الأثرية الشهيرة في العراق.
وكان السوق، الذي يعود تاريخه إلى زمن الدولة العباسية، يعج بأصوات الأزاميل والمطارق في أركانه منذ قرون، لكن إيقاع وصخب السوق بدأ يخفت وأصبح أكثر هدوءا عن ذي قبل نتيجة استبدال العديد من محال النحاس بالمنسوجات والأدوات اليدوية ومتاجر أخرى، الأمر الذي قد يفقد هذا السوق القديم بريقه.
ويعمل العديد من الحرفيين في هذا السوق، في متاجر صغيرة ذات إضاءة خافتة، حيث ورثوا جميعا هذه المهنة الشاقة من آبائهم وأجدادهم وتمكنوا في السابق من جعل هذا السوق معلما تاريخيا لبغداد يجتذب كل من يسافر إلى العاصمة ويزورها سواء من الخارج أو من بقية المحافظات العراقية الأخرى.
ويعتقد الحرفيون في سوق الصفارين أن التحديات التي تواجههم كبيرة للغاية لدرجة أنهم بالكاد يستطيعون المحافظة على إبقاء بعض المتاجر مفتوحة، ويرجعون سبب التباطؤ في الأعمال التجارية إلى جائحة فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وقال إحسان عون، وهو أحد الحرفيين في السوق لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن "جائحة فيروس كورونا والوضع الاقتصادي الصعب في البلاد أثر علينا سلبا، بالإضافة إلى أن وجود منتجات النحاس المستوردة بأسعار منخفضة أدى إلى تفاقم وضعنا الاقتصادي".
من جانبه، عاد زهير الصفار (50 عاما)، والذي ورث المهنة عن والده، بذكرياته إلى زمن ازدهار صناعة النحاس، قائلا انه "في العقود الماضية من القرن الماضي، كان سوق الصفارين قبلة ومنارا للسياحة والسائحين".
وكان سوق الصفارين يعج بالعديد من السياح الأجانب على مدار العام لشراء الهدايا التذكارية من القطع الأثرية النحاسية التي تصور الحضارات القديمة لبلاد ما بين النهرين، مثل أسد بابل ، والثور المجنح، وبوابة عشتار، ومئذنة سامراء الحلزونية، وغيرها من ابداعات الحضارة العراقية القديمة.
ومع ذلك، تراجعت الزيارات السياحية بشكل حاد للعراق هذه الدولة التي مزقتها الحروب لعدة أسباب، بما في ذلك انعدام الأمن والعنف والارهاب الذي اجتاح البلاد بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، فضلا عن الانتشار الأخير لفيروس كورونا.
كما يشعر صانعو النحاس في السوق القديم بالقلق إزاء نقص الدعم للحرف اليدوية والصناعات التقليدية، فضلا عن عدم وجود حماية من المنافسة مع السلع المستوردة، ما دفع البعض منهم لاستبدال ورش النحاس تدريجيا بمتاجر تبيع المنتجات الجاهزة.
ويطالب المهتمون بالتراث الشعبي من العراقيين بدعم حكومي لأصحاب هذه المهنة القديمة، لأنها في طريقها للزوال كون العديد من الحرفيين بدأوا بتركها بعد أن أصبحت لا تلبي متطلباتهم المعيشية اليومية.
وقال الصفار إن "سوق الصفارين كان متخصصا في صناعة الأواني النحاسية، وفي السابق كانت جميع المنازل في بغداد وفي أنحاء العراق تستخدم الأواني النحاسية، مثل الأحواض والأباريق والصواني والأطباق وغيرها".
وتابع "لكن الأمور تغيرت مع مرور الوقت، وبدأ الناس في استخدام الحديد والألومنيوم ومواد أخرى للأواني، لذلك بدأت هذه المهنة بالاختفاء، واضطر الحرفيون بشكل أساسي إلى كسب قوتهم من خلال تصنيع الأعمال الفنية".
كما يركز النحاسيون على صناعة الديكورات للأبواب والمنازل، بالإضافة إلى صنع "شارات" بناء على طلب بعض الأشخاص وأشياء أخرى مثل اللوحات المعدنية المحفورة التي تحتوي على صور شخصيات عراقية وعالمية بارزة، بحسب الصفار.