كم نحن في أمس الحاجة اليوم إلى القدوة الحسنة والمثل الأعلى، وخصوصا شبابنا وبناتنا، وذلك بسبب انتشار الضعف الذي أصاب حياتنا ومجتمعنا، في وقت عز فيه وجود تلك القدوة الصالحة، وراج به سوق السفه والجهل واللامبالاة، والخفة، ونقص العقل ورخص الكلام.
فيكفي أنها تعتبر بمنزلة وسام يؤكد على بلوغ الإنسان إلى مستوى من الصفاء الروحي والطهر الفكري، والجمال الذهني أعلى المستويات.
لذلك حتى نحن أيضا، حاجتنا إليها اكثر، ذلك لنحقق من أنفسنا النموذج التطبيقي الصحيح لمنهج رب العالمين، وكي يستتب الأمن والسلام فيما بيننا، وفي حياتنا وسلوكنا وتصرفاتنا علما وعملا.
فهي من أرقى الخصال التي يفترض بأن يملكها كل مجتمع، ذلك لأن من خلالها سيسود وينتظم، فالشخص القدوة يصبح مثالا رائعا يتشبه به غيره، فيعمل مثلما يعمل، ويحذو حذوه في كل كبيرة وصغيرة، قال تعالى: (وإنا على آثارهم مقتدون) (الزخرف:23)، أي سائرين على منوالهم ومنهجهم وطريقتهم الصحيحة في هذه الحياة.
هذا وبخلاف أنها تمثل جزءا من الكمال النسبي، والذي قد يثير في الوجدان الإعجاب، فتتأثر به تأثرا عميقا ونقيا، كما أنها تولد في داخل كل إنسان، القناعة التامة والإخلاص الكامل.
ولو بحثنا في ميادين التربية لوجدنا رسولنا الكريم هو من يتربع على عروش المربين، فلقد كان المربي الكريم، والقائد، والمعلم الذي ربى أصحابه الكرام على الفضيلة والقيم العليا النبيلة، واعتلى صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب الأخلاق والعلم، لأنه تربية رب العالمين، كي يكون السراج المنير لنا ولمن يجيء من بعدنا، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديثه، من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
لذلك أعطى إسلامنا الحنيف لجانب تلك القدوة الحسنة اهتماما كبيرا جدا، ليترجم من خلالها شريعته إلى واقع حياتنا، وليرى الناس في سلوكهم وتصرفاتهم أوامر كتاب ربهم.
فمن يسلكه ويوفق إليه، ودخل الإيمان قلبه، وعمل بالتنزيل وخشي من الجليل، فقد استعد ليوم الرحيل، عفيفا، تقيا، صادقا، خالصا، صالحا وسليما.
أما ان غابت تلك القدوة عن الناس وعن مجتمعهم، فسرعان ما ستشكل عاملا رئيسيا في انتشار المنكرات واستفحالها، وإفشاء الجهل بين أشخاصها، إلى ان يزداد في المقابل للأسف انحرافها وضياعها، فجودة العمل كما قال وليام فوستر لا تأتي مصادفة ابدا، انها نتاج نوايا حسنة، وجهد صادق، وتوجيه ذكي، وإخراج متمرس، كونها تمثل الاختيار الحكيم لبدائل متعددة.
كما يتوجب على أولئك القدوات أيضا، وتلك الرموز الناجحة بما يحملونه من سيرهم الزكية جيلا بعد جيل، ان يدعوا الناس بأفعالهم لا بأقوالهم فقط، لتعم الفضائل بالشكل الصحيح، لتقضي فيما بعد وبالتدريج على جميع الرذائل.
ولا ننسى أن للمقتدى به أجرا عظيما من عند الله سبحانه، إن كان ذلك في الخير طبعا، لذا كان من دعاء عباد الرحمن الصالحين (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما).