أشار وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي د. حسن ناظم إلى وجود قطيعة مع العالم العربي منذ التغيير في العراق في أبريل 2003، وسببها معضلة السياسة، وأنه حاول عندما كان يدرس في جامعة الكوفة أن يعيد الصلة مع المحيط العربي من خلال مجلة الكوفة التي صدرت باللغتين العربية والإنجليزية واستطاعت أن تخلق بيئة تفاعلية مع الكتاب والمترجمين العرب، مضيفا ان مازال هناك نوع من النفور وعدم التواصل مع العراق كمؤسس وفاعل في الثقافة العربية، مؤكدا أن الثقافة عابرة لمثل هذه الظروف ويمكنها أن تبني ما هدمته السياسة.
جاء ذلك خلال ندوة افتراضية أقامتها كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس في موسمها الثقافي لفصل الربيع لعام2021 بالتعاون مع النادي الثقافي ومنصة الفنر للعلم والمعرفة، وذلك مساء اول من امس حملت عنوان «الثقافة العربية في ظل التحديات الراهنة» تصدى لإدارتها كل من رئيس اللجنة الثقافية والإعلامية في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية د.سعيد السيابي ونائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي الشاعر والكاتب عبدالرزاق الربيعي.
في البداية، رحب السيابي بوزير الثقافة العراقي د.حسن ناظم، ناقلا له تحيات رئيس جامعة السلطان قابوس د.فهد بن الجلندى بن ماجد آل سعيد، وتحيات عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية د.نبهان الحراصي.
ومن ثم قدم الشاعر والكاتب عبدالرزاق الربيعي نبذة تعريفية عن وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي د.حسن كاظم الذي يمتلك سيرة ذاتية مميزة حيث إنه ناقد ومترجم وأكاديمي في اليونسكو وفي جامعة الكوفة.
وعن القراءات التي أثرت به، أجاب د.حسن ناظم قائلا: لقد ولدت في النجف وهي بيئة ثقافية أدبية يفتح المرء عينيه فيها على القرآن الكريم، ونهج البلاغة، والجواهري، والمتنبي، وقد ظلت هذه المؤثرات عالقة بي وأثرت في طبيعة التكوين والذائقة اللغوية، وعشق اللغة العربية فقراءاتنا الأولى سلحتنا بنطق سليم، وامساك معين بناصية اللغة لكنها لم توفر لنا منهجية، ولاحقا اطلعنا على منتجات العالم الغربي، وتعلمنا لغات أخرى، فكانت المناهج سبيلا جديدا للنظر بعين أخرى إلى ما تعلمناه سابقا، والآن أنظر إلى الجواهري بغير النظرة التي كنت أنظر بها إليه.
وسأل د.سعيد السيابي عن مدى محافظة الجامعات على دورها، فأجاب: ان الجامعات برغم تباين مقرراتها الدراسية في المذاهب الأدبية، والمناهج النقدية، والأدب العالمي، ومن مراقبتي لها في أكثر من بلد عربي درست فيه توجد فيها نمطية وبطء في التواصل مع ما ينتج خارج إطار العالم العربي، فالمذاهب كالكلاسيكية والرومانسية، والمناهج النفسية والشكلية لا تواكب ما يحدث من تطورات في الغرب ليس في الجامعات فحسب بل حتى في الأوساط الثقافية، فالسياسة هي التي تحكمها، وحين نتأمل ما يتسرب إلى الجامعات وإلى عالم النقد الأدبي في العالم العربي لا نجد خطة واضحة لاستقدام المناهج ولا يبدو للجامعة أي تأثير، فلا نستطيع أن نقول إن هذه الجامعة استجلبت البنيوية مثلا وإنما هناك مجموعة مترجمين ترجموا كتبا عن هذه المناهج، فالمسألة محكومة بالاعتباطية، فمثلا حين كتب عبدالله الغذامي سنة 2000 عن منهج النقد الثقافي، كان هذا المنهج موجودا في الغرب منذ الستينيات وهو مرافق للبنيوية والتفكيكية.
وأشار الشاعر عبدالرزاق الربيعي إلى وشائج الصلة بين العراق وسلطنة عمان منذ العصر السومري، والصلات التاريخية الحضارية بين مجان ووادي الرافدين، وسأل عن كيفية إعادة التواصل ومعالجة الفجوة؟ أجاب الوزير: مما يؤسف أن أيام جائحة كورونا لا تتيح لنا أن نطبق ما نفكر به لاستعادة العلاقات ووضع البرامج، مشيرا إلى رواية «القنافذ» للكاتب العراقي فلاح رحيم الذي عاش في عمان وكتب هذه الرواية التي جاءت عراقية في أجواء عمانية.
وأشار إلى وجود مشكلة في مفهوم التثاقف، فالدستور العراقي الحالي يؤمن بتعددية المجتمع من كرد وتركمان وعرقيات ومذاهب وهذا لم يكن موجودا زمن الديكتاتورية وأضرب مثلا: دعيت إلى منتدى العلاقات العربية -الكردية لأقدم بحثا فلجأت إلى دراسة حضور الكردي في الأدب العربي، وقرأت خمسين رواية لم أجد حضورا للكرد فيها، ووجدت ظلا باهتا للشخصية الكردية، وعللت ذلك بأن السلطة لا تقبل بهذا الحضور حتى في الروايات التي كتبت في الخارج، كذلك الأمر في الآداب غير العربية، فلا وجود مثلا للأمازيغ، مثال آخر كتبت دراسة في الولايات المتحدة الأميركية عن شاعر تركماني هو فضولي البغدادي الذي ولد وعاش ومات في العراق، ونحن لا نعنى به، وهو ابن العراق، وقد كتب أبرز أعماله باللغة التركمانية، وله تمثال ضخم في باكو في أذربيجان، ويجب التركيز على التثاقف مع الآخر عربيا وغير عربي، وأن مجال الفنون هو المجال الأخصب لإعادة العلاقات والروابط العربية.
وعن استثمار الثقافة كقوة ناعمة، قال: العراق بلد غني ويتنوع غناه في الثقافة والسياحة والآثار ويجب أن يتأسس على عقل منفتح، ويؤمن بالتعايش مع الآخر، والتثاقف معه وإذا لم تكن هناك بيئة آمنة لا يمكن أن يكون هناك استثمار، وهناك معضلة الدولة الريعية التي تعتمد على النفط.
وعن الجهود في استعادة الآثار المسروقة، قال: ان أرض العراق أرض آثارية شاسعة من الشمال إلى الجنوب فكيف نحرسها، وأن المشكلة في النبش العشوائي وليس في السرقة، مشيرا إلى وجود جهود من الأمم المتحدة واتفاقات مع دول الجوار لاسترداد الآثار، وقد تمكنا من استرداد بعضها.
وعن التواصل مع مثقفي العراق في الخارج، أشار د.حسن ناظم إلى محاولة تأسيس لعلاقة مع مبدعي العراق في الخارج الذين ربما يفوق عددهم من هم في الداخل، وهذا يقتضي تدابير كثيرة، كما فكرنا أن نؤسس للتشكيل العراقي المغترب، لأن هناك فنانين كبارا خارج العراق.
وعن استراتيجيته في الجمع بين الثقافة والسياحة للتعريف بالعراق، بين د.حسن ناظم أن الحكومة الحالية جاءت بعد حراك شعبي، ومطالب مشروعة، وواجهت ظروف الجائحة، واملاءاتها، واغلاقاتها، والأزمة المالية المترتبة عنها، وقد عملنا على استراتيجيتين هما: بناء البيت الداخلي، ووضع هيكلية جديدة وكادر شبه جديد، ونفكر باستراتيجية لوضع مهمات أخرى للوزارة لبناء الدولة، وعملنا على استرداد الآثار، ونعول على زيارة البابا فرنسيس مطلع مارس المقبل في إنعاش السياحة، وتبنينا مشروع ترجمة مائة كتاب من لغات مختلفة، لنعرف كيف ينظر الآخرون إلينا بعد سنة 2003، وبادرنا إلى إعادة طبع ديوان الجواهري، وماضون في طبع الأعمال الكاملة للشاعر حسب الشيخ جعفر، وأعمال كبار الشعراء في القرن العشرين، وأسسنا لمؤتمر سنوي عن العلوم الاجتماعية، وفكرنا في إعادة صياغة إنتاج الكتاب العراقي.