يبدأ ذوبان الثلوج مع دخول دفء الربيع، حيث إشراقة الشمس وتفتح الأزهار وحيوية أوراق الأشجار، وهكذا هي المرأة عامة والأم خاصة فهي ربيع الحياة، واحتفال العالم بيوم المرأة ويوم الأم في مطلع الربيع يعطى دلالة قوية على أن المرأة هي ربيع الحياة والأم هي مظاهر جماليات هذا الربيع الإنساني، إن دفء مشاعر الأمومة هو ما يذيب ثلوج المشاعر الإنسانية المتجمدة في المجتمع ويعطي للحياة معنى وقيمة، ولم لا وهي من اختارها الله مستودع سره الإلهي، حيث يتخلق بداخلها المخلوق الأكرم على الله ومنها يتغذى وينبت جسده ومنها تستقى معاني الرحمة والإنسانية والعطف.
لقد عظم الله ورسوله الأم في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وجعلت الجنة تحت أقدامها تقديرا وتكريما لدورها العظيم في خلافة الله على الأرض، أما على المستوى الإنساني فإن التاريخ يروي لنا قيمة وقدر الأم في كل الحضارات القديمة والمعاصرة حتى أنها في كل الحضارات كانت رمزا للخصوبة والنماء وسر الحياة.
وفي وطننا العزيز الكويت شهدت أرضه الطيبة دورا عظيما ومساهمة جليلة للمرأة الكويتية والتي كانت بحق أما عظيمة أنجبت أجيالا وراء أجيال حفظوا لوطننا العظيم مكانته بين الأمم وشاركت في صنع هذا التاريخ المشرف ليس فقط في التنشئة والرعاية ولكن في اختراق آفاق الريادة والقيادة في شتى المجالات على الرغم من معوقات العادات والتقاليد البالية ولكن بالإصرار والعزيمة وحس المسؤولية انتصرت على دعاة الجمود والتقليد، وهذا واقع لا ينكره أحد، ولولا ضيق المقال لذكرنا الجميع وكتبنا أسماءهن بأحرف من ذهب، ولكن على سبيل المثال وليس الحصر نذكر بالخير في مجال العمل المجتمعي الإنساني المناضلة الشجاعة موضي العبدالله البسام بنت الأكرمين إحدى أبطال معركة الصريف، وهي المعركة التي تحل ذكراها في هذه الأيام، والتي كان للسيدة العظيمة الشجاعة موضى البسام دور عظيم في إيواء جيش إمارة الكويت وتسهيل عودتهم لأرض الوطن بعد تطبيبهم وإطعامهم ودعمهم بما تملك من سلاح ومؤن، وهي شخصية ملحمية ضربت أروع الأمثال في التضحية والفداء لخدمة الفقراء والمحتاجين والمرضى.
وفي نفس المجال المجتمعي الإنساني لا ننسى ذكر الشيخة سلوى صباح الأحمد، رحمها الله وطيب الله ثراها، وهي رائدة العمل الخيرى والملقبة بـ«أم اليتامى»، والتي ظلت لآخر أيام حياتها السعيدة تحب العمل في صمت بعيدا عن المناصب، وفى المجال الثقافي يبرز دور الشيخة حصة صباح السالم رئيس دار الآثار الإسلامية والعضو في عشرات المجالس والهيئات الثقافية الدولية المعنية بالتراث الإنساني وهي إحدى العلامات البارزة ليس على المستوى المحلى والإقليمي فقط ولكن على المستوى الدولي لجهودها الجبارة في حفظ التراث الحضاري العالمي.
وفي المجال الثقافي أيضا لا ننسى إحدى مبدعات هذا الوطن في الشعر والأدب والنقد العربي الشيخة د.سعاد الصباح والتي أسست «دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع» والعديد من الجوائز التي يتم منحها للمبدعين قي مجال الشعر والأدب، وقد تم تكريمها في العديد من الدول، ولكن يبقى دورها الأهم مشاركتها في اللجنة العليا لتحرير الكويت حيث قامت بجولات مكوكية عربيا وعالميا لحشد العالم ضد الاعتداء المجرم على بلادها واستأجرت محطة إذاعية في لندن لفضح المحتل ودعم تحرر الكويت من دنس الاحتلال الغاشم. وعلى المستوى الإنساني، فإن «أم مبارك» كما تحب أن يلقبها الجميع واصلة للرحم، جابرة للعظم، حفظها الله للكويت وجزاها الله عنا خير الجزاء.
وفي الاقتصاد وإدارة الأعمال يبرز دور السيدة سعاد الحميضي أول سيدة أعمال كويتية وإحدى العلامات المضيئة لعزيمة وإرادة وإبداع المرأة الكويتية، وفي عالم السياسة لا ننسى د.معصومة المبارك أول وزيرة في تاريخ الحكومة الكويتية، حيث تقلدت أكثر من منصب وزاري من عام 2005، حيث شغلت منصب وزيرة التخطيط ووزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية ثم وزارة المواصلات ثم وزارة الصحة، وهي أول امرأة تنتخب كنائب في مجلس الأمة 2009 بعد حصولها على المركز الأول في الدائرة الأولى. أما عن دور المرأة الكويتية في مواجهة الغزو الصدامي المجرم، فلا ننسى دور المناضلة العظيمة سناء الفودري أول شهداء الغزو والتي دفعت حياتها ثمنا لرفعة وطنها بعد أن قادت الجموع في مظاهرات للتنديد بالغزو الغاشم. والشيء بالشيء يذكر، فإن دور المرأة الكويتية في مواجهة الاحتلال الغاشم لم يقتصر على الشهيدة سناء الفودري ولكن معنا من يعيش بيننا الحين من هؤلاء المناضلات د.هند حمد البحر والتي تحدثت في احتفالية نظمتها القيادة المركزية للجيش الأميركي في الشرق الأوسط للاحتفاء بأبطال الكويت في الذكرى الثلاثين لعاصفة الصحراء وتحرير الكويت عن دورها وزميلاتها في جامعة الكويت في تأسيس جبهة دفاع مدنية تقوم بتوزيع منشورات في كل مكان داخل الكويت لتوحيد الصف والعمل المنظم لمواجهة هذا الاحتلال الدنيء حتى تحقق النصر وتحررت الأرض الطيبة من دنس هذا الاحتلال.
وقد قام الكولونيل جون هيرمان بالنيابة عن تيري فيريل القائد العام للقيادة المركزية للجيش الأميركي بتكريم المناضلة د.هند حمد البحر وعدد من ضيوف الحفل تقديرا لجهودهم البطولية في معركة التحرير ودعما للروابط والعلاقات المتينة التي تجمع الشعبين الكويتي والأميركي ولتكون رسالة مفادها أن قيادات الدولتين لا تنسى دور الأبطال الملهمين مهما طال الزمن.
والحقيقة أن ما ذكرناه عن دور المرأة الكويتية والأم العظيمة المتمثل في هؤلاء الرائدات المبدعات هو غيض من فيض الدور الإنساني المجتمعي والعلمي الأكاديمي للأم الكويتية التي أنجبت أبطالا وعظماء وكانت الملهمة لحركة الحياة في وطننا العزيز، لذلك أردنا أن نحتفل بطريقتنا الخاصة بيوم المرأة ويوم الأم من خلال تسليط الضوء على القيمة الحقيقية والدور العظيم للمرأة الكويتية والأم العظيمة والتي لا تأتي على هوى دعاة الجمود ومنكري الفضائل، فالواقع الذي نعيشه أصدق وأبلج من محاولات الانتقاص والتي بلا ريب لا تخدم تقدم وطننا العظيم، كل عام والإنسانية جمعاء بخير وسلام ما دمنا نحفظ للمرأة عامة والأم خاصة مكانتها وقدسيتها في المجتمع الإنساني، وكل عام وكل امرأة كويتية وأم عظيمة في حضور ويقظة وإبداع وريادة وخير وسلام.