تقول العرب «القلم أحد اللسانين»، والمراد باللسانين «اللسان والقلم»، ولقد فتح على الناس في هذا الزمان باب الكتابة، في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، حيث يبرز الكاتب من خلاله قدراته الكتابية واﻷدبية واختيار السليم من الطرح المبني على احترام ومراعاة الذوق العام للمتلقي، لأنه محاسب شرعا وعُرفا على ما يكتبه أو ينشره، قال تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وجاء في الحديث الطويل الذي أخرجه الترمذي «ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا.
فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم» وإذا كان الإنسان مطالبا بحفظ لسانه وضبط كلامه، فهو مطالب أيضا بحفظ بنانه، فيقول الإمام الشافعي:
وما من كاتب إلا سيفنى
ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء
يسرّك في القيامة أن تراه
إن صاحب القلم الوطني يظهر ما في النفس من المعاني التي تشرق بها الآمال وتتحقق بها الأعمال، هو ترجمان القلب وبريد اللسان، وفياً لقيادته ومحافظا على وطنيته، ومساهماً في بنائه لا يجيد ثقافة الإساءة والتجريح، بل يحترم الجميع حتى وإن اختلف معهم، هكذا قال عبدالحميد الكاتب: «القلم شجرة ثمرتها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة».
إن البعد الاجتماعي من أكثر أبعاد الأمن الوطني تأثرا بمصادر التهديد، وإن خطاب الكراهية بحد ذاته يقوض التماسك الاجتماعي ومعيق للاستقرار والتنمية، ومدخل للشائعات التي تطال كل شيء بالنقد أو التجريح، وأصبح من السهل المتابعة لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، ويقول الطبيب تشي جيفارا: «لا شيء أسوأ من خيانة القلم، فالرصاص الغادر قد يقتل أفرادا، بينما القلم الخائن قد يقتل أمما».
«فاللسان والقلم» هما الميزان الحقيقي الذي توزن به الرجال بالعقلانية، وكالسيف القاطع «لا يؤمن حدّه، وسهم نافذ لا يمكن رده»، فما أحوجنا إلى حسن الكلام ونبذ الجارح منه، وبتوحيد الألسن والأقلام تسود المحبة والتآخي والوئام، وتعزز أواصر الترابط والبناء، كونهما عصب القوة في مواجهة الأحداث والمتغيرات، ويقول «المهلب بن أبي صفرة»:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفرادا
ونختم زاويتنا بقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «إذا أتم العقل نقص الكلام، وبكثرة الصمت تكون الهيبة».. ودمتم ودام الوطن.
قال أبو العتاهية:
وخير الكلام قليل الحروف
كثير القطوف بليغ الأثر