في الكويت اليوم توجد سوق سوداء من نوع آخر وهي تجارة التعليم غير القانوني وتتمثل في الدروس الخصوصية، ولو دققت في الأمر قليلا تجدها لا تقل عن خطر تجارة المخدرات على الوطن، بل إنها أسوأ من ذلك بكثير، فالمخدرات تفسد جسد وعقل متعاطيها فقط، وتاجر المخدرات ومتعاطيها تحفهما الكثير من الأخطار بسبب تشديد العقوبات عليهما فيقل نشاطهما وقد يصل إلى الصفر أحيانا.
وأما التدريس الخصوصي الممنوع شكلا والمسموح علنا نجده يفسد «وبشكل منظم وشمولي» العلم والفكر في عقول وقلوب الأجيال القادمة ويجلب لهم الجهل اللاشعوري المبرمج والجهل يؤدي بنهاية المطاف إلى الانهيار والفوضى العارمة للدين والدولة.
والمدرس الخصوصي غني عن التعريف في هذه الأيام إذ تجد إعلاناته في الصحف وبالوسائل الإلكترونية وتستطيع أن تصل إليه بكل سهوله ومن دون الاستعانة بالمباحث الجنائية بوزارة الداخلية بل ويقدم لك النصيحة أيضا للعمل في هذا النوع من التجارة التي تدر أموالا طائلة وتجعلك تستغني عن راتب الوزارة البخس بنظره وقد أسرّ لي احد المدرسين الخصوصيين انه بفضل هذه المهنة غير القانونية استطاع أن يبني ثلاث عمارات في بلده وفي بعض الأحيان تكون حصصه الدراسية خارج أسوار المدرسة تمثل ضريبة أو أتاوة أو كرت لنجاح الطالب في المدرسة حتى من دون فهم للمنهج.
ولو بحثنا في حجم الأضرار والسلبيات للمدرس الخصوصي لوجدنا ضحاياه وأضراره كثر وعلى سبيل المثال لا الحصر:
أولا: بوجود المدرس الخصوصي يتحول الطالب إلى فرد اتكالي غير منتج للوطن لأنه لا يفقه شيئا مما تعلم.
ثانيا: تدمير المستوى التعليمي والفكري للطالب وقد ذكر لي صديق وهو دكتور في جامعة الكويت بانه التقى مع احد تلاميذ التدريس الخصوصي بإحدى محاضراته ووجده لا يعرف القراءة والكتابة.
ثالثا: الأب الموظف في الدولة والمثقل بالالتزامات هو الضحية الأكبر بهذه القضية.
ومن يقول بأن مخرجات التعليم في الكويت سيئة جدا جدا بسبب المناهج فهو مخطئ بل بسبب هذه الظاهرة السيئة التي تقع بالمحطة الثانية للعلم بعد محطة صانع العلم (المنهج) وقبل محطة متلقي العلم (الطالب).
وبنظري التعليم برمته في الكويت لن يرتفع مستواه أبدا لأنه يحتاج إلى رفع مستوى الأمانة العلمية مع طلابنا أولا وقد فتشت عن الأمانة التعليمية بوزارة التربية فلم أجدها إلا بيد من وضعها على الرف وأزال العقوبات عن مهنة التدريس الخصوصي وأطلق العنان لتجار التعليم الخصوصي وأصبحت المسألة بأيديهم مسألة تجارة وليست مسألة تعليم ونستطيع أن نسمي هذا الانحراف التعليمي خيانة لمهنة التدريس نفسها.
فإما أن تقوم الحكومة بإنقاذ التعليم الحكومي من هذه العصابات عن طريق اعادة صياغة قوانين التعاقد مع المعلمين كافة وإلغاء القوانين السابقة التي وضعت في الكويت من ايام العصر الحجري ولايزال العمل بها إلى الآن وجعلت أبناءنا الطلبة يتنقلون بها من حفرة «لدحديرة» تعليمية أو أن نتركها كما هي ونستعد لاستقبال أجيال جاهلة لا تفرق بين الجمرة والتمرة وتجمعهم الطبول وتفرقهم العصي ولن يكونوا قادرين على تحمل المسؤولية بل سيكونون عبئا ثقيلا على الوطن.
أيها السادة الكرام، علينا ألا ننسى أن الامتحانات الورقية ستكون سوقا رائجا للمدرس الخصوصي بهذه الأيام والذي كافح وتعب بصورة غير مباشرة لإقرار هذه الامتحانات وذلك لتعويض خسائره الماضية بسبب كورونا والتيمز الذي أدى إلى الكساد التجاري لمهنته وعزله عن تسعيرته التي يقدمها لطلابه وهي تقع ما بين 20 إلى 30 دينارا للساعة الواحدة لمواد الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات وكالعادة على أولياء الأمور أن يستعدوا للدفع.
* أتقدم بأجمل التهاني والتبريكات إلى صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، وإلى سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منهم ومنا صالح الأعمال وأن يمدهم بوافر الصحة والعافية.