لايزال ملف قضية «البدون» مفتوحا على مصراعيه تعلوه غبرة السنين وتراكم الدراسات، وبين دفتيه آمال كبيرة تنتظر حلا مع إشراقة كل صباح، وأخرى ذهبت أدراج الرياح، بعدما تخلى عنها أهلها بين مهاجر وراحل عن دنيانا إلى واسع الرحمة والمغفرة.
الملف الاستثنائي على الساحة المحلية الكويتية ليس معقدا بطريقة يصعب حلها أو حلحلتها على مراحل عدة وفق فترة زمنية محددة متى ما حضر القرار المرتكز على المعطيات «الكويتية» الخالصة، فـ «أبناء البادية» في ستينيات القرن الماضي هم ذاتهم أصبحوا «غير كويتي» في ثمانينيات القرن الماضي وأبناؤهم وأحفادهم حملوا الصفة الأخيرة «مقيمين بصورة غير قانونية».
نعم.. أشبع الملف الكبير والمرهق إنسانيا دراسة وتحليلا، وصفحاته تؤكد بالدلائل والأسانيد الثابتة، وبعقود متتالية متسقة، ولاء كتبه الآباء، وفداء سطره الأبناء، ووفاء تناقله الأحفاد، وما أخل طول الانتظار بالثوابت، ولم يزعزع شظف العيش وضيق اليد بالإيمان الراسخ بوطن الصداقة وواحة السلام وأهله الذين جبلوا على الخير، فجعلوا منه منارة يأوي إليه الملهوف، ويتفيأ بظلال شجرته المباركة من ضاقت به السبل في موطنه.
ولعل ما يستوجب الإسراع في إيجاد حل شامل ومتكامل لهذا الملف، ليس طول الأمد فحسب، أو لكون «البدون» أصبحوا تقادما جزءا من نسيج المجتمع، وفسيفسائه المتناغمة، وإنما لكون «الملف القضية» أضحى في أوجه منه - وللأسف الشديد - مدعاة للاستغلال غير الحميد من قبل «الخارج»، أولئك الذين يترصدون كل شاردة وواردة، أفرادا كانوا أو مؤسسات، فيتصيدون عبثا في المياه الصافية، هربا من مياههم الآسنة التي كثرت فيها الأمراض بشتى أنواعها، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، فما عادوا يطيقون صبرا بعدما أعجزهم سوء حالهم وتدهور أوضاعهم، فأخذوا يوجهون سهام بغضهم لتشتيت الانتباه عما يقاسونه من وضع مزر وبائس، ولعل في حل قريب يطوي «ملف البدون» لطمة أبدية لتلك الوجوه والأقلام والمنصات الصفراء.
[email protected]