في منتصف العشرية الأولى ذهبت في رحلة عمل ضمن وفد حكومي شعبي ضم وقتها نحو عشرة وزراء بين سابق وأسبق وحالي يومها، واستمرت الرحلة نحو أربعة أيام، تعاملت مع الوزراء الأسبقين والسابقين والحاليين وجها لوجه، وجدت أنه ليس بينهم من تنطبق عليه الصفات التي تنعته به المعارضة أيامها، كانوا كويتيين حتى النخاع عاديين جدا وكانت تجمعنا ديوانية واحدة، طوال فترة الرحلة لم أكن أشعر بأن بينهم شريرا واحدا كما كانت تصور المعارضة أيامها لبعضهم، ولم أجد ذلك الشرير بينهم، لا أقول إنني لم أشكك في أحاديث بعض أولئك الوزراء عندما يتحدث عن مثالية حكومية مطلقة، ولكنه في النهاية كان حديثا وديا على زاوية قهوة.
***
«الوزراء الأشرار».. مفهوم سياسي ابتدعته المعارضة في بداية الألفية الجديدة، ونجحت فيه المعارضة بضرب عدد من الوزراء سواء في استجوابات رسمية أقامت الدنيا ولم تقعدها أو من خلال هجوم منبري على أروقة صفحات الجرائد، وهو أمر كانت تنجح فيه المعارضة في إسقاط من تشاء أو تستهدف وهذا التكنيك سرى لفترة من الوقت بنجاح كبير، وكان سن ورمح المعارضة في كل معاركها مع الحكومة، وكما ذكرت كان ناجحا جدا بل ومخيفا لأي حكومة، فاستهداف الوزير في ذلك الوقت وبهذا الأسلوب المعارض كان يعني أحد أمرين إما سقوط الوزير أو رحيل الحكومة.
***
اليوم هناك محاولة لاستنساخ ذلك الأسلوب القديم لمعارضة ما قبل 2012، وهي محاولة بسيطة إذا ما قارناها بأسلوب المعارضة السابقة، مشكلة المعارضة الحالية أنها تستهدف الحكومة ككل برئيس وزرائها ووزرائها بل ووكلائها أيضا، وهو ما لم تكن تفعله المعارضة السابقة، فالتكنيك الصحيح كما يفترض إذا ما أرادت المعارضة الجديدة النجاح هو استهداف وزير واحد فقط بغض النظر عن ثقله السياسي أو نحوه، فهذا كان أسلوب المعارضة السابقة التي لم تكن تستهدف المناخ الوزاري كاملا بل تقوم بتفكيك الكتلة عبر استهداف وزير واحد فقط في الهجوم الواحد.
***
فإن كنت ناصحا للمعارضة، فعليها استهداف وزير واحد فقط بدلا من اللعب العشوائي.. وإن كنت ناصحا للحكومة، فعليها أن تحصن نفسها قبل أن تضرب من حيث لا تعلم، الاحتمالات في المشهد السياسي في الكويت مفتوحة، ويمكن أن يحدث ما لم يتوقعه أحد، وعامة ما تفعله المعارضة الآن هو حراك سياسي على الوجه الأدنى من التأثير، فإلغاء جلسة أو تأجيل جلسة أو تعطيل جلسة أمام الحكومة ليس مكسبا سياسيا للمعارضة ولا للمكتسبات الشعبية التي تنتظر من المعارضة أكبر من هذا، بل هو مجرد تعطيل للوقت الدستوري دون أي فائدة سياسية سوى إحراج الحكومة على الحد الأدنى أيضا. المعارضة بهذا الأسلوب واجهت الحكومة وأحرجتها لكنها في الوقت ذاته أفقدت وأضاعت من وقتنا الدستوري ما يجب ألا تعبث به أكثر، طبعا هذا لا يبرئ الحكومة، فهي شريكة في التأزيم السياسي.
***
لا نسأل عمن يقود المشهد السياسي، لكن السؤال هو: إلى أين يتجه المشهد السياسي؟ ومن يتحمل نتائجه؟ ومن يتحمل نتائج التعطيل الدستوري؟ إذا كان الجواب منصفا فستكون الإشارة بأصبعي الأول.. يشير إلى الحكومة، والثاني يشير إلى المعارضة، بغض النظر عن إن كنت أنتقد المعارضة في انزلاقها نحو المواجهة، إلا أن من يتحمل حقيقة التقلب السياسي غير المنضبط هو الحكومة وأداؤها، فما أداء المجلس سوى ردة فعل، أما أداء الحكومة فهو المحرك الرئيسي لكل المشهد.
ما ذكرته في بداية مقالتي عن شيطنة الوزراء لا أعتقد أن هذا سينجح اليوم كأسلوب معارضة، لا يوجد «وزراء أشرار» بل يوجد وزراء «لا تحبهم المعارضة».
[email protected]