وضع سوق الأسهم الأميركي، الوباء، خلف ظهره في بداية هذا العام وتجاوز المخاوف المرتبطة به لينطلق بحرية نحو تحطيم المستويات القياسية تفاؤلا بآفاق الاقتصاد المدعومة بالإنفاق الحكومي والاستهلاكي الضخم إلى جانب تسارع حملة التطعيم التي تبشر بفتح كامل للاقتصاد.
ومع نهاية شهر مارس، سجل مؤشر «إس آند بي 500» مكاسب فصلية بنسبة 5.8%، مقابل 7.8% لمؤشر «داو جونز»، وواصل المؤشران في الجلسات التالية تسجيل مستويات قياسية مرتفعة، بفعل التوقعات الاقتصادية المتحسنة والإشارات الإيجابية من الاحتياطي الفيدرالي.
ومع حلول منتصف أبريل، تغير اهتمام المستثمرين لينصب على نتائج أعمال الشركات، والتي يأملون من خلالها تبرير ارتفاع التقييمات بشكل كبير في السوق، والبحث عن سبب آخر يدعم الاتجاه الصاعد ويؤكد الرهان على تعافي الأساسيات كثيرا هذا العام.
ورغم ردود الأفعال المتباينة تجاه نتائج أعمال الشركات، خاصة الكبيرة منها مثل «آبل» و«مايكروسوفت» و«ألفابت» و«أمازون»، استطاع سوق الأسهم الأميركي المضي قدما، وشهد أداء جيدا في شهر أبريل المنقضي، لسجل مؤشرا «إس آند بي» و«داو جونز» مكاسب شهرية بنسبة 5.2% و2.7% على التوالي.
الكبار يخفقون في دفع السوق
استطاعت شركة «آبل» التفوق على توقعات السوق، بتحقيقها إيرادات تقترب من 90 مليار دولار في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بتوقعات بلغت 77.3 مليار دولار، مع وصول نصيب السهم من الأرباح إلى 1.40 دولار مقارنة بـ 99 سنتا متوقعة.
لا شك أن سهم «آبل» ثقيل الوزن قادر على تحريك السوق والمعنويات على حد سواء، ورغم النتائج الأفضل من المتوقع، انخفضت المؤشرات الرئيسية للسوق في الجلسة التالية مباشرة لإعلان نتائج أعمال الشركة بفعل تراجع سهم صانعة «أيفون».
ولكن يجب الوضع في الاعتبار، أن نتائج «آبل» وبعض اللاعبين الرئيسيين الآخرين، جاءت بالتزامن مع حديث الرئيس الأميركي «جو بايدن» عن رغبته في زيادة الضرائب، وتسجيل معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي يبلغ 6.4% للربع الأول، أقل من توقعات المستثمرين البالغة 6.5%، حتى اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة فشل في التأثير على السوق.
وتراجع سهم «آبل» 0.1% فور الإعلان عن نمو المبيعات بنسبة 54%، وانخفض سهم «مايكروسوفت» 2.8% رغم زيادة المبيعات بنسبة 19%، وهبط سهم «أمازون» بنسبة 0.1% بعد الإعلان عن أعلى نمو فصلي خلال 10 سنوات (عكس اتجاهه في الجلسة التالية وسجل مستوى قياسيا).
خالف سهم «ألفابت» هذا الاتجاه وارتفع بأكثر من 5% على الفور، ليسجل أعلى مستوى في 52 أسبوعا، بعدما أعلنت الشركة صافي دخل يبلغ 17.93 مليار دولار، وإيرادات 55.3 مليار دولار، بفضل مبيعات إعلانات «جوجل»، والأداء المميز لخدمتي «يوتيوب» و«جوجل كلاود».
في الحقيقة، يعزى هذا الاستقبال لأداء الثلاثة الكبار إلى اتجاه سائد منذ شهور ينطوي على تراجع وزن أسهم هذه الشركات في مؤشر «إس آند بي 500»، حيث كان سهم «آبل» يشكل 7.3% نهاية أغسطس ليصبح 5.9% في نهاية أبريل، وتراجع سهم «مايكروسوفت» من 5.9% إلى 5.3%، و«أمازون» من 5% إلى 4.2%.
الرهان على الأرباح
رهان المستثمرين على نتائج الأعمال ليس وليد اللحظة، أرباح الشركات ذات أهمية دائما لمستثمري الأسهم، لكنها أكثر أهمية من المعتاد الآن، فلو يعتزم سوق الأسهم تقديم أداء خلال العقد الجاري يشبه إلى حد بعيد العقد الماضي الرائد، سيحتاج إلى زيادة كبيرة في نمو الأرباح، ولن يكون الأمر سهلا.
السبب في أن كل شيء يتوقف على الأرباح هو أنه من غير المرجح أن يساهم المصدران الآخران لعوائد الأسهم- توزيعات الأرباح والتوسع في التقييم- كثيرا في السنوات المقبلة، إذ يبلغ عائد توزيعات الأرباح لمؤشر «إس آند بي 500» 1.4% فقط، وهو أدنى معدل منذ 150 عاما، باستثناء المسجل خلال ذروة فقاعة «دوت كوم».
في الوقت نفسه، يعتبر مؤشر «إس آند بي 500» أغلى من أي وقت مضى، باستثناء فترة فقاعة «دوت كوم»، وبحسب بعض المقاييس، فهو الأغلى على الإطلاق، لذلك لا يمكن للمستثمرين توقع التوسع بشكل معقول في التقييمات.
وبغض النظر عن تأثير الكبار، وبالنظر إلى النتائج وأداء السوق بشكل عام، يبدو أن السوق يحصل على المساعدة التي يحتاجها من الأرباح حتى الآن، وأحد الأسباب إن لم يكن السبب الرئيسي لارتفاع سوق الأسهم منذ الربيع الماضي هو أن المستثمرين يراهنون على زيادة أرباح الشركات بعد الوباء.
وتوقع محللو وول ستريت أن ترتفع أرباح مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة 25% في الربع الأول، وهي ثاني أعلى قفزة ربع سنوية في توقعات المحللين على الإطلاق، لقد كانوا أكثر حماسا قليلا بشأن الربع الأول من عام 2010، عندما كانت الشركات تخرج من الأزمة المالية.
مع ذلك، فإن الصورة الكاملة التي سيبدو عليها موسم أرباح الربع الأول أو حتى بقية العام لن تكون ذات صلة كبيرة بالنسبة للمستثمرين على المدى الطويل، والسؤال الأكثر أهمية هو: كيف سيبدو نمو الأرباح أبعد من ذلك؟
مستقبل أقل ابتهاجاً
كان المستثمرون خلال العقد الماضي مضطرين لتوقع عوائد سخية للأسهم، لكن على الأرجح، لم يدرك العديد منهم أن هذه العوائد كانت مدفوعة إلى حد كبير بالارتفاع الهائل في أرباح الشركات.
ومن عام 2010 إلى عام 2019، نمت أرباح «إس آند بي 500» بنسبة 10.2% سنويا، وهي أعلى نسبة في أي عقد منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر على الأقل، وشكل ذلك معظم العائد السنوي للمؤشر البالغ 13.3% خلال هذه الفترة، وجاءت نسبة 3.1% الأخرى من توزيعات الأرباح (2.3%) والتوسع المتواضع في التقييم (0.8%).
ومن غير المرجح أن يستمر هذا النوع من نمو الأرباح، لأنه لا توجد سابقة لنمو مستدام بهذا الحجم، حيث نمت أرباح المؤشر في المتوسط بنحو 4% سنويا منذ سبعينيات القرن التاسع عشر وأعلى قليلا في العقود الأخيرة، نحو 5% منذ عام 1990.
أيضا، نمت الأرباح بنحو 10% سنويا في عقدين سابقين فقط، الأربعينيات والسبعينيات، وفي كلتا المرتين كان العقد التالي أكثر هدوءا، حيث نمت الأرباح بنسبة 3.9% فقط في الخمسينيات و4.4% في الثمانينيات.
والأمر الأكثر إشكالية هو أن الشركات زادت أرباحها خلال العقد الماضي من خلال الحد من خطط التوسع، ومن 10.2% سنويا في نمو الأرباح، جاء 4.4% فقط من زيادة المبيعات، وتعزى نسبة 5.8% الأخرى في الغالب إلى انخفاض تكاليف التشغيل ومصاريف الفوائد والفواتير الضريبية.
نعم، نتائج أرباح الربع الأول شيء يستحق الاحتفال، لاسيما بالنظر إلى أن الوباء لم ينته بعد، لكن من غير المرجح أن تحمل هذه النتائج أي تشابه مع الطريقة التي تسير بها الشركات في السنوات المقبلة، وبالنسبة لأي شخص يخطط لامتلاك أسهم أميركية لأكثر من ربع أو اثنين، فهذا هو الشيء الوحيد المهم.