تولى الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه في يناير الماضي معتزما تركيز فترته وطاقته على مواجهة جائحة فيروس كورونا والتراجع الاقتصادي في الداخل وتحديات كبرى في الخارج كالصين وروسيا وإيران.
لكن وبعد الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة، والتي تطلبت ديبلوماسية أميركية مكثفة من وراء الكواليس للتوصل الى هدنة، بات لزاما على معاونيه إعادة ترتيب أولوياتهم مع السعي لتثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ووضع خطة لإعادة إعمار غزة والحيلولة دون تكرار المواجهة التي صارت أولى أزمات السياسة الخارجية في طريق بايدن.
وقال مسؤول أميركي إن التركيز ينصب على «ما سيحدث لاحقا مع التطلع قدما إلى تجاوز العنف.. بحيث نفعل كل ما بوسعنا للحد من احتمالات تكرار مثل هذا الوضع خلال خمسة أعوام أو عامين».
وتحمل نبرة الإدارة الأميركية تغييرا واضحا عن أسلوب النأي بالنفس الذي اتسمت به الشهور الأولى لرئيس يعزف عن الخوض في الصراع القائم منذ عقود والذي أربك مساعي رؤساء سابقين لصنع السلام.
ولم يبد بايدن حتى الآن اهتماما بالانغماس في مسعى جديد لإحياء جهود السلام المتوقفة منذ فترة طويلة في وقت يرى معظم المحللين، أنه لا توجد آفاق كبيرة لإجراء مفاوضات ناجحة.. إن كانت هناك آفاق أصلا.
بيد ان ثمة إشارات متزايدة على تجدد الانخراط الأميركي الآن، ويأتي هذا بعدما واجه بايدن ضغوطا شديدة ليلعب دورا أكثر وضوحا ويتخذ نهجا أكثر صرامة تجاه إسرائيل، وهي ضغوط جاءت من الديموقراطيين التقدميين الذين كان دعمهم له حاسما في الفوز بانتخابات عام 2020.
وبعد اتصالات ديبلوماسية على مدار الساعة بحد وصف مسؤولين أميركيين مما ساعد في إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار فجر الجمعة، يوفد بايدن وزير خارجيته أنتوني بلينكن للقاء زعماء إسرائيليين وفلسطينيين وإقليميين بعد ايام، في أولى زيارات بلينكن للشرق الأوسط.
ويتصدر قائمة المهام الأميركية جمع مساعدات إنسانية لغزة وأخرى لإعادة إعمار القطاع. فبعد الغارات الجوية الإسرائيلية على مدى 11 يوما، قال مسؤولون في غزة إن 16800 منزل تضررت ولا تتوافر الكهرباء إلا لثلاث أو أربع ساعات يوميا فقط. وقدر المسؤولون الفلسطينيون تكلفة إعادة الإعمار بعشرات الملايين من الدولارات.
وقال بايدن إن الولايات المتحدة ستعمل من خلال الأمم المتحدة ومع أطراف دولية أخرى وسيجري التنسيق لمثل هذه المساعدات مع السلطة الفلسطينية رغم انها لا تسيطر الا على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، في حين يصنف الغرب حماس المسيطرة على غزة كـ«جماعة إرهابية».
وقال مسؤولون أميركيون إن الإدارة تجهز حزمة مساعدات ومن المتوقع إعلان قرارات قريبا. وسيضاف هذا إلى مساعدات للفلسطينيين بقيمة 235 مليون دولار أعلنت عنها واشنطن في أبريل، واستئناف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) وإعادة مساعدات أخرى أوقفها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وقال مصدر قريب من الأمر إن هناك خطوة أخرى قيد البحث تهدف لإصلاح العلاقات مع الفلسطينيين التي تكاد تكون انهارت خلال فترة ترامب، وتتمثل في إعادة فتح القنصلية الأميركية بالقدس المحتلة والتي كانت تخدم الفلسطينيين وأغلقها ترامب الذي نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس المحتلة.
من ناحية أخرى، ذكر مسؤولون أميركيون أن إدارة بايدن تتطلع لاستخدام اتفاقات أبراهام، وهي اتفاقات موقعة في عهد ترامب لتطبيع علاقات إسرائيل مع البحرين والإمارات ومع المغرب والسودان، في تسهيل الاتصالات بين إسرائيل والفلسطينيين.
وقال المسؤول الأميركي «ما تعلمناه هو أن تجاهل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لا يقلص فحسب آفاق المفاوضات بل يمكن بالفعل أن يضيف شرارة أخرى».
وتحدث بايدن مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ست مرات خلال مفاوضات وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من موافقة الزعيم اليميني الذي كان مقربا من ترامب على وقف الضربات الجوية، لايزال على خلاف مع بايدن حول الاتفاق النووي مع إيران وقضايا أخرى.
وعبر ديموقراطيون تقدميون عن سعادتهم بوقف إطلاق النار لكنهم دعوا إدارة بايدن إلى العمل من أجل حل أطول مدى.
وكتب رو كانا عضو مجلس النواب الأميركي على تويتر يقول «يمكننا البناء على هذا التقدم من خلال معالجة جذور العنف والعمل باتجاه حل الدولتين وإنهاء الحصار والاحتلال، مع الضغط من أجل سلام دائم للإسرائيليين والفلسطينيين».
وتتزايد الضغوط على إدارة بايدن من الخارج أيضا.
ففي الأمم المتحدة، قال ديبلوماسي عربي كبير مشترطا عدم ذكر اسمه «التواصل الفوري مع قوة بثقل» الإدارة الأميركية مطلوب الآن في إطار «المعايير الصحيحة» لاستئناف جهود أوسع نطاقا لتحقيق السلام.
بل إنه دار حديث عن إحياء رباعي الوساطة في الشرق الأوسط، الذي تشكل قبل وقت طويل ويضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ولم يستخدم كثيرا خلال سنوات ترامب، في محاولة لإقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بالعودة إلى طاولة التفاوض. لكن المحللين لا تحدوهم آمال تذكر في أي مبادرة ديبلوماسية كبيرة قريبا.