شهدنا الأسبوع الماضي ضحية من ضحايا «البدون» - الطفل جراح عايد الذي دهسته سيارة على شارع دمشق، إنها مسؤولية الدولة قبل أن تكون مسؤولية أبيه الذي رماه في مكان خطر على تقاطع إشارات المرور تحت الشمس الحارقة دون رحمة، وقد شهدت قبل أسابيع حالات مثل الطفل جراح وغيره من الشباب دون 19 عاما، وكلهم حيوية ونشاط وصحة مقابل بأس وشقاء، راجع عزيزي القارئ مقالات سابقة على صفحتي في «الأنباء» بعنوان: بلد الإنسانية - البدون - أطفال الشوارع.
إن فئة البدون مشكلة واجهتها الدولة منذ القدم وما زالت، فالأمر بكل بساطة قوانين واستراتيجيات تؤمن لهم حقوقا تكفل لهم العيشة الكريمة، فالحل لا يقتصر فقط على الجنسية، فالبعض يستحق وقد حصل عليها - والبعض الآخر لا يستحق، فالجنسية الكويتية يجب أن تكون لها شروط أكبر من الموجودة على صفحات الدستور ولها أبعاد تكفل المحافظة على الهوية الكويتية وثقافتها والمحافظة على التركيبة السكانية والأمن الاجتماعي إلى أبعد الحدود.
أما ما حصل للطفل جراح وارد تكراره مع أكثر من طفل آخر في نفس ظروفه، فظاهرة أطفال الشوارع يجب أن تنتهي بأسرع وقت ممكن، ويجب على الدولة منع أي طفل بياع على إشارات المرور من تواجده في هذه المواقع ومنعه من مزاولة مهنة أكبر من عمره حفاظا على طفولته من الانتهاك، فالكويت بلد حضاري وإنساني وخيره طائل المحتاجين في مختلف بقاع الأرض، فلا يجب عليه إهمال قضية داخلية كقضية «البدون».
إن استثمار طاقات هؤلاء الناس من سبل التنمية الداخلية للبلد وتحقيق أمنها الداخلي الذي بات مقلقا للغاية في الآونة الأخيرة، ويجب على الدولة النظر في شؤون أبناء هذه الفئة واحتياجاتها ووضع القوانين التي تكفل لهم حقوقهم الإنسانية بدلا من شقاء العيش الذي يعيشونه هم وأهليهم، فلابد من قانون يمنع وجود أي طفل وشاب صغير بالعمر بالشارع لغرض بيع سلعه، وثانيا تأمين فرص عمل لهؤلاء الأطفال والشباب من سن 11-20 عاما استثمارا لطاقاتهم لمصلحة البلد من جهة وكتعويض لهم يؤمن لهم العمل في بيئة مناسبة لأعمارهم بعيدا عن حر الكويت الشديد ومهنة تكفل لهم التعليم واكتساب الخبرات واكتساب القيم المهنية بشكل أفضل من البيع في الشوارع تحت الشمس القارصة والتي تنعكس على نفسياتهم بمشاعر الحقد والعداء والعنف تجاه هذا البلد وشعبه، وعليه قد أمنت الدولة خط سير واحدا من خطوط سير التنظيم الداخلي للبلاد من حيث الاهتمام بالإنسان الذي يقطن على أرض الوطن وهذا شعار كل حضارة إنسانية عريقة.
وأخيرا، إن صفحة آراء وكتاب فيها من الآراء والأفكار التي تساهم في الخطط التنموية للبلد، وعلى المسؤولين اتخاذ تلك الآراء بالاعتبار، ويجب على الدولة عمل معهد دراسات خاص للتنمية يضم مجموعة باحثين شغوفين في العمل البحثي العلمي - إلى جانب تقسيمه إلى تخصصات منها مكتب أو قسم خاص بالدراسات التربوية وقسم خاص للدراسات البيئية وقسم للدراسات الإنسانية... إلخ، ويكون تابعا للمجالس العليا للبلاد، وتأخذ تلك الدراسات بالاعتبار قبل الإقدام على أي قرار تتخذه الحكومة من أجل التنظيم الداخلي لشؤون البلد وشعبه.
family_sciences@