ظل التضخم في الاقتصادات المتقدمة منخفضا للغاية منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ثم ضربت جائحة كوفيد-19 الاقتصاد العالمي خلال موسم الربيع الماضي، وتسببت الإغلاقات في انهيار النشاط الاقتصادي.
وأدى ذلك إلى تراجع حاد في الطلب على النفط وفي أسعار الطاقة.
كما أثرت الجائحة أيضا على الطلب الاستهلاكي حول العالم. وقد أدى هذان العاملان مجتمعين إلى تراجع التضخم العالمي في عام 2020.
وتشهد حاليا نفس هذه العوامل، التي تسببت في تراجع التضخم في عام 2020، انعكاسا في الاتجاه أو تؤدي بشكل مؤقت إلى ارتفاع معدلات التضخم في عام 2021.
ويعتبر حدوث انخفاض كبير في التضخم أمرا سيئا، وبالمثل فإن حدوث ارتفاع حاد في التضخم هو أيضا أمر سيئ.
في الواقع، فإن تحقيق استقرار الأسعار هو من الأهداف الرئيسية للبنوك المركزية. وقد أصبح استهداف التضخم رائجا كركيزة للسياسة النقدية في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وقد تبنى البنك المركزي للمملكة المتحدة استهداف التضخم منذ عام 1992، وتلاه البنك المركزي الأوروبي في عام 1999.
ولكن البنك المركزي في الولايات المتحدة (بنك الاحتياطي الفيدرالي) لم يعتمد نسبة مستهدفة واضحة للتضخم إلا بحلول عام 2012، على الرغم من أنه أقر تفويضا مشتركا لاستهداف الحد الأعلى للتوظيف.
استجابت البنوك المركزية للوباء بمحفزات نقدية ضخمة، وذلك عبر تخفيض أسعار الفائدة وشراء الأصول وضخ السيولة لدعم الاقتصاد. واستجابت الحكومات أيضا بحوافز مالية ضخمة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن التطوير السريع للقاحات فعالة يبشر باستمرار التعافي إلى الوضع الطبيعي الجديد.
وتعمل ثلاثة عوامل على رفع معدلات التضخم في 2021، وهي ارتفاع أسعار الطاقة، وانتهاء بعض تدابير الدعم الاقتصادي، وارتفاع تكاليف الشحن. ويجدر بالذكر أن التضخم يعرف على أنه التغير في مستوى الأسعار على أساس سنوي، مما يعني أن أي تغير منفرد في الأسعار يخرج من دائرة التضخم بعد 12 شهرا.
وقفز معدل التضخم السنوي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم 38 دولة تمثل حوالي 60% من الاقتصاد العالمي، إلى 3.3% في أبريل الماضي، من 2.4% في مارس، ليبلغ أعلى مستوى منذ 2008.
وجاءت الولايات المتحدة في مقدمة الدول صاحبة معدلات التضخم الأعلى، بمعدل 4.2% في أبريل.
وتأتي تلك المعدلات التضخمية، عقب حزم وحوافز مالية ضختها الحكومات الكبرى لدعم الشركات والبنى التحتية بهدف تعزيز التعافي الاقتصادي، ما أدى إلى زيادة الاستهلاك والطلب العالمي على السلع، خصوصا الطلب على الطاقة.
على سبيل المثال، تهدف الولايات المتحدة إلى تقديم حزم تحفيز مالي من أجل إنعاش الاقتصاد الأميركي ستبلغ 4 تريليونات دولار، وفق تصريحات الرئيس جو بايدن.
كما بدأ الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، تفعيل خطة إنعاش اقتصادي تبلغ 750 مليار يورو (915 مليار دولار) ممولة بقرض مشترك، أقرها برلمان الاتحاد أواخر العام الماضي.
يرى الخبراء الاقتصاديون، أن اقتصادات العالم تقع تحت قبضة جائحة كورونا لمدة وصلت إلى عام ونصف، ما أدى إلى توقف النشاط الاقتصادي وانخفاض الاستهلاك بشكل كبير، وبالتالي تراجع الطلب العالمي.
وتوقع البنك الدولي نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 5.6% خلال 2021، بينما توقع صندوق النقد الدولي أن يحقق نموا بنحو 6%.
وتأتي المعدلات الطبيعية للتضخم بالنسبة للدول المتقدمة عند 2%، بينما تصل في الدول النامية إلى 4%.
لكن تظل رهانات صانعي القرار على التحفيز الاقتصادي، عبر ضخ حزم مالية ضخمة، محل جدل، كون أن تلك النظرية تعتمد على استغلال عامل اقتصادي واحد مع ثبات باقي العوامل.
وبحسب مقال لأستاذ الاقتصاد الأميركي نورييل روبيني، نشرته صحيفة الغارديان البريطانية مؤخرا، فإن عديد الحجج والمبررات العالمية ظهرت لتقول إن «التحفيز المالي لن يؤدي إلى تضخم كبير، لأن الأسر ستدخر جزءا كبيرا منه لسداد الديون التي تراكمت عليها خلال فترة الوباء، ما يحجم الطلب».
هذا وقد توقعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، ارتفاع تكاليف الواردات الغذائية العالمية 12% في 2021 إلى مستوى قياسي، بسبب غلاء السلع الأساسية وزيادة الطلب.
وقالت المنظمة في تقرير، إن «فاتورة واردات الغذاء حول العالم بما في ذلك تكاليف الشحن، من المتوقع أن تصل 1.715 تريليون دولار هذا العام، من 1.530 تريليون في 2020».
وبينما كان نمو التضخم هدفا عالميا خلال 2020، بسبب تراجع الطلب العالمي على الاستهلاك بالتزامن مع تداعيات جائحة كورونا، تحول اليوم إلى هاجس دولي بفعل حزم التحفيز المالي، والذي قاد إلى قفزة كبيرة في الاستهلاك.
[email protected]