التجمعات الحضرية أو الحضر هي تجمعات بشرية قابلة للمواءمة والتأقلم والتعلم والتغيير والتطوير، وقد تمرحلت في ممرات تاريخية مهمة وشاقة ومفصلية رغم بطئها ورتابتها، انطلاقا من التجمعات البدائية مرورا بالتجمعات البدوية إلى أن وصلت إلى تجمعاتها الحضرية الحالية، بشقيها المتلازمين سواء التجمعات الحضرية المستقرة في المدن أو التجمعات الحضرية الريفية المتاخمة للمدن، وكلا التجمعين ماضيان قدما نحو التقدم والنهضة ومناهضة التقوقع والتخلف.
وهنا لا يفوتني الإشارة إلى جدلية مهمة جدا تفسر لنا بعض الأمور لاحقا وقد تساعدنا في فهم بعض السلوكيات والممارسات غير المفهومة، ألا وهي أن التجمعات الحضرية ليست بالضرورة تجمعات أو مجتمعات مدنية فليس كل حضري مدنيا وليس كل مدني حضريا بالضرورة.
***
التجمعات الحضرية هي مجموعات رأت أن حاجتها وأمنها وأمانها تكمن في الاستقرار، وقد ارتأت أن توجد لها من المعطيات ما يؤمن لها بقاءها واستقرارها وأمنها وأمانها، ويساعدها في حفظ وجودها المعنوي والمادي والإبقاء لها على قدر مناسب من الحيوية والرقي والازدهار.
لذلك لجأت لاختيار أنظمتها الحاكمة وشكل الدولة وسن القوانين والنظم التي تنظم تعاملاتها ومعاملاتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية.
وأقامت الكثير من الوسائل والقيم والمقومات الضرورية والملحة والحتمية والتي لا تقوم الدول والمجتمعات الحقيقية بدونها، وعلى رأسها الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري.
***
وفي المقابل يرى علماء العلوم الاجتماعية وبالأخص علماء الاجتماع السياسي أن التجمعات أو المجتمعات الحضرية بخلاف المجتمعات والتجمعات المدنية لديها حذر تجاه الآخر شأنها بذلك شأن التجمعات البدوية وإن كان بنسبة أقل إلى حد ما، وكذلك لديها تقوقع حول ذواتها حتى ولو كان نسبيا ومحدودا، وهي مرتبطه كذلك بالدولة أو بالحكومة ارتباطا نابعا من الحرص والحس الأمني لديها، ذاك الارتباط الذي قد تتنازل معه عن الكثير من الحقوق والحريات والمكتسبات بكامل رغبتها وإدراكها، من أجل كسب ما هو أكبر من وجهة نظرها ألا وهو الاستقرار والاستمرار في البقاء بأمن وأمان.
مطبقة بذلك نظرية العقد الاجتماعي بحذافيرها والتي تقول: ان الفلسفة الأخلاقية والسياسية ما هي إلا نظرية أو نموذج تبلورت في عصر التنوير وتهتم عادة بمدى شرعية سلطة الدولة على الأفراد.
وتنادي نظرية العقد الاجتماعي بالتحديد بأن الأفراد يقبلون بشكل ضمني أو صريح أن يتخلوا عن بعض حرياتهم ويخضعوا لسلطة الدولة أو «لقرار الأغلبية» مقابل حماية بقية حقوقهم، وتعتبر العلاقة بين الحقوق الطبيعية والشرعية هي اهم مبحث من مباحث نظرية العقد الاجتماعي.
***
كما أن التجمعات والمجتمعات البشرية والأمم والدول تحتاج دائما لأدوات ومعطيات وممرات جغرافية ولوجستية ملموسة.
كذلك تحتاج إلى ممرات زمنية وتاريخية محسوسة لتنفيذ رغباتها وتطلعاتها في التطوير والتغيير تطول وتقصر هذه الممرات حسب ما تمتلكه هذه المجتمعات من مرونة وديناميكية ومن بيئة ومن أرضيات صلبة تستطيع الوقوف عليها، والانطلاق منها وهي ما تسمى «نظرية الممرات التاريخية».
وأنا أعتقد أن التجمعات والمجتمعات الحضرية من أقل التجمعات البشرية حظا من حيث التغيير والتطوير، حيث إنها تحتاج لممرات تاريخية أطول بخلاف التجمعات البدوية والتجمعات المدنية على حد سواء، واللتين لا تلتقيان ولا تتشابهان أبدا إلا في هذه النقطة.
وبإذن الله حين نأتي للكلام عن التجمعات المدنية سنفصل بشكل اكبر نظرية الممرات التاريخية.
[email protected]
hammad_alnomsy@