تنشر «الأنباء» دراسة خاصة أعدها الرئيس التنفيذي لشركة اكسبر للاستشارات الإدارية م.نايف بن عبدالجليل بستكي حول أهمية دور البنوك المركزية حول العالم في إدارة السياسة النقدية لللدولة، حيث تقوم البنوك المركزية بتحديد السياسة النقدية والعمل بنظام نقدي ومالي أكثر مرونة واستقرارا في مواجهة التحديات والعقبات.
وتعتمد إدارة البنوك المركزية في اعمالها على اتخاذ كل القرارات المساعدة والسبل في تعزيز صحة الاقتصاد بالإضافة الى استقرار النظام المالي، وفي هذا الجانب تسعى شركة اكسبر للاستشارات وإدارة الاعمال بالكويت، من خلال تحليل مهام وادوار البنوك المركزية، الى تثقيف المواطنين والمقيمين بشأن تلك الأدوار، بالإضافة الى تسليط الضوء على القرارات المالية التي تتخذها الحكومات بشأن القطاع المالي والاقتصاد بشكل عام.
وفي هذا السياق، يقوم م. نايف بن عبدالجليل بستكي، إنه يمكن اختزال أدوار البنوك المركزية بخمسة اتجاهات وهي السياسة النقدية، استقرار النظام المالي، الاشراف على المؤسسات المالية، الدفع والتسوية، بالإضافة الى حماية المستهلك.. وذلك فيما يلي:
السياسة النقدية
يقوم الدور الأول من أدوار البنوك المركزية بتنفيذ السياسة النقدية للدولة وذلك بهدف خلق المزيد من الوظائف، استقرار الأسعار، تنظيم أسعار الفائدة على المدى الطويل.
ويقوم البنك المركزي بإدارة مستوى أسعار الفائدة قصيرة الاجل، والتي ستؤثر بشكل مباشر على حالة الائتمان المالي في الدولة.
كما ان التغير في أسعار الفائدة من شأنها التأثير ولو بشكل بسيط على أسعار أسواق المال، بالإضافة الى أسعار صرف بعض العملات الأجنبية.
فعندما يكون متوسط أسعار السلع والخدمات مستقرا، فإن التغيرات في أسعار السلع والخدمات الفردية تكون بمنزلة أدلة واضحة لتخصيص الموارد بكفاءة، وهذا يساهم في رفع مستويات المعيشة.
علاوة على ذلك، تشجع الأسعار المستقرة الادخار وتكوين رأس المال لأنه عندما يتم تقليل مخاطر تآكل قيم الأصول الناتجة عن التضخم يتم تشجيع الأسر على ادخار المزيد وتشجيع الشركات على الاستثمار بشكل أكبر، وهو ما يهدف إلى تحقيقه البنك المركزي.
التضخم
ولأن معدل التضخم في البلاد على المدى الطويل تحدده السياسة النقدية في المقام الأول، يمكن للبنك المركزي أن يعمل مباشرة لضمان استفادة الاقتصاد المحلي من التضخم المنخفض والمستقر.
يساعد التضخم المنخفض والمستقر الاقتصاد على العمل بكفاءة وجودة عالية. وعندما يكون التضخم منخفضا ومستقرا، يستطيع الأفراد الاحتفاظ بالمال دون الحاجة إلى القلق من أن يؤدي ارتفاع التضخم إلى تآكل قوته الشرائية بسرعة.
وعلاوة على ذلك، يمكن للأسر والشركات اتخاذ قرارات مالية أكثر دقة على المدى الطويل بشأن الاقتراض والإقراض وحول الادخار والاستثمار.
ومن المرجح أيضا أن تكون أسعار الفائدة الأطول أجلا معتدلة عندما يكون التضخم منخفضا ومستقرا.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الانكماش ـ الذي يحدث عندما تنخفض أسعار السلع والخدمات، في المتوسط ـ سيزيد من عبء ديون الأسر والشركات بعد التكيف مع انخفاض الأسعار.
وعلاوة على ذلك، إذا استمر التضخم بالقرب من الصفر، فمن المرجح أيضا أن تكون أسعار الفائدة القصيرة الأجل منخفضة جدا، وقد لا يتمكن صناع السياسات النقدية من خفض أسعار الفائدة بالقدر الكافي لدعم الاقتصاد عندما يكون معرضا لخطر الانزلاق إلى الركود.
ونتيجة لذلك، تساعد السياسة النقدية التي تهدف إلى الحفاظ على التضخم عند 2% على المدى الطويل على الحفاظ على اقتصاد منتج وجيد الأداء، مما يؤدي إلى زيادة في العمالة ورفع مستويات المعيشة للمواطنين.
وبهذه الطريقة، يرتبط هدف تحقيق أقصى قدر من العمالة في الاقتصاد ارتباطا وثيقا بهدف التضخم بنسبة 2%.
إن هدف التوظيف وزيادة اعداده متوازن مع استقرار الأسعار كهدف للسياسة النقدية.
ومع ذلك، يدرك صناع السياسات أن عوامل أخرى غير السياسة النقدية تحدد إلى حد كبير الحد الأقصى لمستوى التوظيف الذي يمكن الحفاظ عليه دون أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم.
وتشمل هذه العوامل الاتجاهات في حجم السكان، والتغيرات في أنواع الوظائف والمهارات اللازمة في القوة العاملة، وغيرها من السياسات مثل تلك التي تؤثر على التعليم والتدريب.
ويرى واضعو السياسات النقدية مجموعة من المؤشرات في جعل تقييماتهم لظروف سوق العمل متسقة مع الحد الأقصى للتوظيف، مع الاعتراف بأن هذه التقييمات غير مؤكدة بالضرورة وقد تتغير من حين لآخر.
ومن المفترض ان يقوم البنك المركزي بعرض التقارير اللازمة بشكل ربع سنوي بشأن التوقعات الأطول أجلا للنشاط الاقتصادي والبطالة.
وفي هذه التوقعات، يبلغ البنك المركزي عن معدل البطالة المتوقع على المدى الطويل.
ونظرا لأن إجراءات السياسة النقدية تؤثر على التضخم والتوظيف، فإن قرارات البنوك المركزية يجب أن تستند في تقييمها للتوقعات المتوسطة الأجل للاقتصاد، والتي يمكن أن يتحسن معها مستوى التضخم والتوظيف.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب ان تتضمن تقارير البنك المركزي الدورية عن اي مخاطر مرتبطة بالتوقعات الاقتصادية، والتي قد تهدد النظام المالي.
الاقتصاد وأسواق المال
مع تغير الظروف الاقتصادية، تقوم البنوك المركزية بمجاراة السياسات المالية المتبعة، والتي تكون عادة عن طريق رفع أو خفض هدفها لسعر الفائدة.
وسيرافق التغيير في الهدف المتعلق بسعر الفائدة على الأموال عادة تغييرات في أسعار الفائدة الأخرى وفي الظروف المالية على نطاق أوسع، ومن ثم ستؤثر هذه التغييرات على قرارات الإنفاق للأسر والشركات، وبالتالي ستكون لها آثار على النمو الاقتصادي والتوظيف والتضخم.
وعادة ما تؤثر التغيرات في أسعار الفائدة الأطول أجلا على أسعار الأسهم، ولأن بعضا من صغار المستثمرين لديهم استثمارات طويلة الاجل في أسواق المال، فإن التغيير في أسعار الأسهم ستكون له آثار على الثروة الشخصية.
فعلى سبيل المثال، إذا انخفضت أسعار الفائدة على المدى الطويل، فقد يقرر المستثمرون شراء المزيد من الأسهم، وبالتالي رفع القيمة السوقية للشركات المدرجة.
وعلاوة على ذلك، قد يؤدي انخفاض أسعار الفائدة بالمستثمرين إلى توقع أن يكون الاقتصاد أقوى وأن تكون الأرباح أعلى في المستقبل، وقد يزيد هذا التوقع من الطلب على الأسهم.
كما تسعى البنوك المركزية الى الحفاظ واستقرار النظام المالي، وذلك نحو تقليل المخاطر واحتوائها، من خلال المراقبة والمشاركة الفاعلة.
فتقوم البنوك المركزية بمراقبة مخاطر النظام المالي ويشارك في الداخل والخارج للمساعدة في ضمان دعم النظام لاقتصاد صحي للأسر والمجتمعات والشركات المحلية.
ويعتبر النظام المالي مستقرا عندما تكون المؤسسات المالية ـ البنوك والمدخرات والقروض وغيرها من مقدمي الخدمات والمنتجات المالية ـ والأسواق المالية قادرة على تزويد الأسر والمجتمعات والشركات بالموارد والخدمات والمنتجات التي تحتاجها للاستثمار والنمو والمشاركة في اقتصاد يعمل بشكل جيد.
الاشراف على المؤسسات المالية
ومن الأدوار الرئيسية الأخرى للبنوك المركزية، الاشراف على المؤسسات المالية وتنظيمها، مما يعزز سلامة اعمالها وادائها، بالإضافة الى رصد تأثيرها على النظام المالي المحلي.
كما تقوم البنوك المركزية بتعزيز سلامة وكفاءة نظام الدفع والتسوية، وذلك من خلال الخدمات المقدمة للصناعة المصرفية المحلية.
إن وجود نظام للتسوية دقيق وعالي الفاعلية لهو امر حيوي بالنسبة للاقتصاد وانعكاسه الإيجابي عليه.
كما يسهل هذا النظام المعاملات المالية وشراء السلع والخدمات وما يصاحبها من حركة الأموال على جميع مستويات الاقتصاد المحلي والعالمي.
الاهتمام بحماية المستهلك وفهم سلوكه الإنفاقي
تهتم البنوك المركزية بتعزيز حماية المستهلك وتنمية المجتمع، وذلك من خلال فهم سلوك المستهلك، تقديم الأنشطة المجتمعية، وإدارة قوانين وأنظمة المستهلك، والتي تعتبر هي الأخرى من أدوار ومهام البنوك المركزية في كل دولة.
ويتعين على إدارة البنك المركزي الحصول على البينات والحقائق الدقيقة من المستهلكين مباشرة وذلك لتعزيز النتائج المحققة، ودعم التقارير الفنية المقدمة، والتي ستؤدى في النهاية الى اتخاذ السياسيات المالية السليمة.
وختاما، قال بستكي إنه وعلى الرغم من معرفة كل المهام والادوار الرئيسية للبنوك المركزية في كل قطر من اقطار الدول المختلفة، إلا أنه لوجود قائمة البيانات الملائمة وما تحتويه من نتائج وحقائق من شأنها التأكيد على دقة القرارات المالية المتخذة.
بمعنى آخر، فإن لضعف التقارير والبيانات المجمعة دورها في تأخر اتخاذ القرارات الحاسمة وبالتالي ضياع المزيد من الفرص التي من شأنها تطوير السياسة المالية للدولة.