«كورونا» وما أدراك ما كورونا التي شلَّت العالم أجمع صحيا واجتماعيا واقتصاديا، ولكن الجميل أننا نستطيع أن ننظر إليها نظرة إيجابية من الناحية التعليمية، لأنها ستكون سببا في إنعاش التعليم، من خلال تسليط الضوء على سبل جديدة تسهم في تطوير التعليم ضمن معايير الجودة العالمية.
ففي الكويت اعتمدت وزارة التربية برنامج «التيمز» للتعليم عن بُعد، وكان الأمر في غاية الصعوبة على ولي الأمر وعلى الطالب بل وعلى المعلم وأستاذ الجامعة أيضا.
لقد جاء الأمر مفاجئا دون سابق إنذار ودون تخطيط ولم يكن الطالب أو المعلم ـ على حد سواء ـ مستعدا (للتعليم عن بُعد)، فعالم التكنولوجيا ليس وليد اللحظة، بل يأتي بالتدريب وبالممارسة.
ونظرا لعدم وجود هذه الخبرة في التعامل مع التكنولوجيا فقد كان معيبا لهذا التعليم (التعليم عن بُعد)، وكان سببا في فشله في التجربة الأولى.
كما أن انعدام التواصل الشخصي بين الطالب ومعلمه جعل الأمر أكثر تعقيدا عند رصد الدرجات، فالتعليم يراعي في الظروف العادية الفروقات الفردية، ولكن في نظام التعلم عن بعد يكون أمام المعلم نتائج فورية لإجابات الطلبة، وما عليه سوى رصدها دون التحقق منها، ومن حقيقتها، سواء بالكمال والإتمام أو بالنقصان.
وهنا يأخذنا الأمر إلى موضوع في غاية الحساسية ألا وهو تضخم الدرجات، فلا يمكن من خلال الاختبارات الإلكترونية أن يتحقق الأستاذ أو المعلم من الشخصية الحقيقية التي قامت بالإجابة، بل ويعجز الأستاذ عن مراقبة الطلبة على الوجه المطلوب.
ويدخل موضوع سوء الظن عند التشكيك في نتائج الطلبة إذا ما حصلوا على الدرجات المرتفعة من مبدأ «إن بعض الظن إثم»، وهنا كان لزاما على الأستاذ أن يرصد للطالب درجته التي حصل عليها عبر الاختبار الإلكتروني.
أما الأساتذة الذين شككوا في ذمم الطلبة ورصدوا درجاتهم خلافا للواقع، فقد أدى الأمر بالطلبة إلى رفع عدد من التظلمات إلى جهة الإدارة، والتي بدورها أنصفت الطلبة ومنحتهم الامتياز حسبما جاء في كشف نتائج الاختبارات الإلكترونية.
إنعاش التعليم
يأتي دور الإنعاش في هذه الظروف للحفاظ على جودة التعليم ومواكبة العصر، وتجديد طرق التعليم وتغيير معايير التقييم التقليدية، والتي اعتمدت على الاختبارات الورقية، وكان لزاما علينا الآن أن ننظر إلى سبل جديدة تسهم في تطوير التعليم ويكون مناسبا لزمننا المعاصر، والابتعاد عن طرق التعليم التي تأسس عليها السابقون في زمن «مع حمد قلم»، في زمن لم يعرف أهله التكنولوجيا والإنترنت.
إنعاش التعليم يكون من خلال التركيز على البحث (البحث عن المعلومة) منذ نعومة الأظفار، والابتعاد كل البعد عن أسلوب التلقين والحفظ والتسميع، لأن هذا الأسلوب (أسلوب التلقين والحفظ) سيمنح الفرصة الكبرى للغش خصوصا بوجود تكنولوجيا الغش.
إننا بحاجة إلى الباحثين الذين يحققون المعلومة لا أن يحفظوها عن ظهر غيب، إننا بحاجة إلى اختبارات الكتاب المفتوح وإلى العقول المفكرة وليس إلى ترديد الببغاء.
ما بعد كورونا لنا وقفة إن شاء الله وقفة جديدة في تطوير التعليم، فكورونا أثبتت للعالم أنك تستطيع أن تتعلم دون معلم ودون كتاب، بل ويمكنك أن تستغني عن الكتاب وعن الحفظ.
إنك تملك العالم كله بكبسة زر، وليست المهارة بكثرة الكلام بقدر ما هو إتقان وإبداع وتحد للمعلومات.
ما بعد كورونا نحن بحاجة ماسة لإنشاء جيل مفعم بالشخصية المتزنة الواثقة بنفسها الصادقة مع ذاتها المخلصة لوطنها المفعمة بالإنتاج والساحقة للعقبات الباحثة عن الابتكار.
وثيقة تطوير التعليم
هي وثيقة قمت بتأليفها في 9/9/2019 أهديتها إلى كل إنسان شريف يسعى للإصلاح والتطوير من أجل كويت جديدة.
جاءت هذه الوثيقة بعد أن أدركنا أن صناعة الأجيال انطلاقة لصناعة الأوطان، علما بأن هذه الوثيقة ليست اقتباسا من مؤلفات، وإنما استمدت صداها من خبرة حقيقية في الميدان التربوي أكثر من عشرين عاما.
باختصار شديد: ان تطوير التعليم ينبع من الأخلاق، فنحن بحاجة إلى غرس القيم منذ مرحلة رياض الأطفال، فبعد التربية يأتي التعليم.
ركزت الوثيقة على المعلم بعيدا عن جنسه ولونه وعرقه، ثم سلطت الوثيقة الضوء على المدارس الإيجابية مع بيان الفرق بينها وبين المدارس النموذجية، إضافة إلى تسليط الضوء على مشكلة المدروس الخصوصية، والتوصل إلى اقتراحات لحل هذه المشكلة حسب الواقع.
وأخيرا، تأتي التوصيات بكل شفافية وصدق حسبما دار في الميدان.
عودة المدارس
لن تكتمل العودة للمدارس إلا بتضافر الجهود والاستعانة بأهل الخبرات من الميدان، وإلا فإنها ستكون حبرا على ورق أو شيئا من الخيال.