هل بدأت وزارة المالية فعليا بالتفكير في تفكيك أنشطتها والتخلي عن دورها الأساسي بصفتها الإدارة المالية للدولة؟ هذا ما أطلعتنا عليه بعض الصحف المحلية عن قيام وزارة المالية بإعداد مشروع قانون بإنشاء هيئة عامة للأراضي والعقارات تعنى بإدارة أراضي وأملاك الدولة العقارية.
كما نعلم ان التشريعات رسمت دور وزارة المالية بصفتها المشرفة على شؤون الخزانة العامة للدولة، وخصوصا جباية إيرادات الدولة والرقابة عليها وما يتقرر الصرف منها، ومن موارد الدولة تلك التي تنتج عن إدارة أراضي وأملاك الدولة العقارية، حيث أوكل القانون لوزارة المالية الإشراف على أموال الدولة الخاصة والتصرف فيها سواء بالبيع أو الاستغلال أو التأجير.
وحيث ان معظم الأراضي مملوكة للدولة، فإن ذلك من شأنه أن يعزز موارد الدولة في الميزانية العامة في حال تطوير إدارتها بالشكل المطلوب، والتطوير لا يأتي بالضرورة بتغيير نوع الكيان الإداري المسؤول عن إدارة أراضي وأملاك الدولة العقارية، وإنما بتغيير نموذج العمل المستخدم في إدارة تلك الأملاك، لذلك على وزارة المالية التركيز على نموذج العمل قبل التفكير في إنشاء هيئة مستقلة لذلك.
إن إنشاء هيئة عامة للأراضي والعقارات تعنى بإدارة أراضي وأملاك الدولة العقارية، وان جاء نتيجة دراسات من جهات متخصصة، إلا أنه في رأيي يتعارض مع برنامج عمل الحكومة (2021/2022 - 2024/2025) بشأن التحديات الرئيسية التي تواجهها الدولة ومنها الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني والمالية العامة.
فالاستمرار في تبني الحكومة لمشاريع إنشاء جهات حكومية جديدة يقوض الجهود المبذولة في سبيل إعادة هيكلة القطاع العام وتطوير الهيكل الإداري للجهاز الحكومي، وكذلك في تحقيق الاستدامة المالية نتيجة زيادة أعباء المصروفات الجارية في الميزانية العامة للدولة لتشغيل مثل تلك الجهات الحكومية التي يتم إنشاؤها.
فإنشاء كيانات حكومية جديدة ليس هو الوسيلة المثلى لتطوير الإدارة المالية العامة للدولة، فالتطوير يأتي في مناح متعددة، فيمكن على سبيل المثال إعادة النظر في التشريع المنظم لأملاك الدولة المتمثل بالمرسوم بالقانون رقم 105 لسنة 1980 بما يحقق مقاصد المشرع في تطوير مثل هذا المورد من موارد الدولة، بحيث يعالج القصور في التشريع القائم والمتمثل في أهداف استغلال أملاك الدولة بما يحقق الربحية بشكل رئيسي إلى جانب تحقيق النفع العام، ودون المساس بالكيان الإداري المنوط بمثل هذا النشاط، أي بأن يعاد النظر في فلسفة التشريعات المنظمة لإدارة أملاك الدولة لتكون رافدا من روافد إيرادات الدولة، وليس على النحو الذي أفادت به وزارة المالية في أحد ردودها على الأسئلة البرلمانية والتي أشارت فيها إلى أن إجمالي الإيرادات الناتجة عن إدارة أملاك الدولة الخاصة، واستغلالها خلال السنوات الخمس 2016/2015 - 2020/2019، بلغ 432.5 مليون دينار، وأن أملاك الدولة لا تدار وفق أسعار السوق بهدف الربحية، بل بهدف تحقيق النفع العام.
بقلم: بدر مشاري الحماد
نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
baderalhammad.com