في ذروة شعبيته كان ينظر إليه باعتباره واحدا من أبرز الرؤساء التنفيذيين في وادي السليكون، ولكن في غضون بضع سنوات تبدل الحال بشكل درامي وأصبح «فيل وايت» الرئيس التنفيذي السابق لشركة البرمجيات الأميركية «إنفورمكس سوفتوير» علامة سوداء في تاريخ صناعة البرمجيات الأميركية وذلك لضلوعه في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال المالي في وادي السليكون.
في كتابه الصادر في عام 2005 تحت عنوان «القصة الحقيقية لشركة إنفورمكس سوفتوير وفيل وايت» يحكي «ستيف مارتن» قصة المدير الحاصل على جائزة «المدير التنفيذي» للعام من أكثر من مجلة أميركية والذي انتهى المطاف به في السجن بعد أن انهارت الشركة تماما.
بداية النهاية
قبل الربع المنتهي في مارس من عام 1997 كانت «إنفورمكس» حريصة على الإشارة لنفسها بانتظام في تقاريرها المالية والصحفية باعتبارها الشركة الأسرع نموا في صناعة برمجيات قواعد البيانات بالولايات المتحدة.
في عام 1996 أعلنت الشركة عن تمكنها من تحقيق مبيعات بلغت 939 مليون دولار، بزيادة قدرها 32% عن العام السابق، وفي بداية نفس العام وصلت القيمة السوقية للشركة إلى ما يقرب من 4.6 مليارات دولار، بدا كل شيء في أحسن حال ولكن كان كل هذا بمنزلة قمة جبل الجليد، فقد كان وراء الأكمة ما وراءها.
ظهرت أولى الإشارات المثيرة للشك حول بيانات الشركة في أوائل عام 1997، وتحديدا حين كشفت الشركة عن نتائج الربع الرابع من العام المالي السابق. في تلك النتائج كشفت الشركة عن معلومتين مريبتين، الأولى هي أن الشركة بدأت في استخدام نظام المقايضة (التبادل غير النقدي) مع الجهات المرخص لها بذلك، والثانية هي أن الكثير من الموزعين لم ينجحوا في إيجاد مشترين لمنتجات الشركة.
وازدادت الأخبار سوءا في اليوم التالي، حين أعلنت الشركة بشكل مفاجئ عن توقعها انخفاض إيراداتها خلال الربع الأول من عام 1997 بما يتراوح بين 59 و74 مليون دولار مقارنة مع الربع نفسه من عام 1996، وذلك نتيجة لانخفاض حجم طلبات الشراء من الموزعين.
مثلت هذه الأخبار صدمة لمستثمري وول ستريت الذين لم يكونوا مستعدين لسماع أخبار سلبية عن الشركة، لذا انخفض سعر سهم «إنفورمكس» بنسبة 34.5% مما أدى إلى تراجع القيمة السوقية للشركة من 2.3 مليار دولار إلى 1.5 مليار دولار فقط. وبعد نحو أسبوعين من ذلك الإعلان، اكتشفت شركة المراجعة مخالفات محاسبية تتعلق بمعاملات مع عملاء أوروبيين تمت في عامي 1995 و1996.
احتيال بمئات الملايين
بدأ المدققون التابعون لشركة المراجعة تحقيقاتهم في هذا الشأن بناء على معلومة سربها إليهم مسؤول سابق في «إنفورمكس»ن وذلك قبل أن يبدأ مجلس إدارة الشركة بالتعاون مع مكتب محاماة خارجي تحقيقا أكبر. وبحلول يونيو بدأ المدققون يكونون صورة أوضح حول حجم الاحتيال داخل الشركة.
وجد المدققون أدلة على وجود اتفاقات جانبية غير قانونية مع العملاء. على سبيل المثال، في إحدى الحالات باعت الشركة لأحد العملاء منتجات في نوفمبر 1996 ولكنها منحته إمكانية السداد في أي وقت بشرط ألا يتجاوز أواخر عام 1998، أي بعد عامين تقريبا من تاريخ البيع، وذلك في مخالفة صريحة للقواعد المحاسبية التي تلزم الشركة بضرورة إثبات الإيرادات في غضون 12 شهرا.
في السابع من أغسطس 1997 كشفت الشركة علنا أنها ستقوم بإعادة صياغة بياناتها المالية لتعبر بشكل صحيح عن حقيقة موقفها المالي. وكنتيجة لذلك اكتشف المدققون الداخليون والخارجيون مخالفات محاسبية بقيمة 114 مليون دولار تخص أكثر 100 معاملة تمت في عامي 1995 و1996.
نظرا لكبر حجم المخالفات وانتشارها قررت شركة المراجعة توسيع نطاق عملية التدقيق لتشمل المعاملات التي تمت في السنوات الثلاث المنتهية في عام 1996. وفي نوفمبر من عام 1997 عدلت الشركة صياغة تقارير المالية الخاصة بعامي 1994 و1995، كما أعادت إصدار التقرير السنوي الخاص بعام 1996.
وخلصت هذه التحقيقات في النهاية إلى أن الشركة ضخمت إيراداتها بنحو 311 مليون دولار، بينما تلاعبت بصافي الدخل ليبدو أعلى بما يقرب من 244 مليون دولار مقارنة بما هو عليه في الواقع، خلال السنوات الثلاث محل التدقيق، سجلت الشركة أرباحا بقيمة 257.3 مليون دولار، في حين أن صافي أرباح الشركة لم يتجاوز 13.3 مليون دولار خلال تلك الفترة.
إلى السجن
في عام 1996 وحده، عدلت الشركة صافي دخلها من أرباح قدرها 98 مليون دولار إلى خسارة تقترب من 74 مليون دولار. وعلى إثر هذه الأخبار انهار سعر السهم منخفضا بنسبة 50%، لتبدأ لجنة الأوراق المالية والبورصات في تولي الأمر.
بعد التحقيق قامت اللجنة بتحويل القضية إلى المحكمة، ليتم توجيه ثماني تهم إلى الرئيس التنفيذي للشركة «فيل وايت» من بينها التوقيع على نتائج مالية مزيفة وإخفاء المعاملات الصحيحة، ومحاولة منع التدقيق في التقارير المالية للشركة. وبعد أن دفعت 142 مليون دولار كغرامات نجحت «إنفورمكس» في تسوية عشرات القضايا المرفوعة ضدها في عام 2000.
وبعد أربع سنوات من المداولات وتحديدا في مايو 2004 حكمت المحكمة على «وايت» بالسجن لمدة شهرين، وغرامة قدرها 10 آلاف دولار، بالإضافة إلى عامين من الإفراج المشروط و300 ساعة من الخدمة المجتمعية.
كل مستثمر اشترى ما يعادل 32 ألف دولار من أسهم «إنفورمكس» عند أدنى مستوى لها في عام 1991 كان سيحقق أكثر من مليون دولار في غضون عامين فقط. هذا النجاح المذهل كان ينسب إلى «فيل وايت»، نفس الشخص الذي قضى على الشركة بسبب تورطه في الاحتيال، مما أدى في النهاية إلى انهيار سعر سهمها وضياع ثروة المساهمين.