حصلت إسرائيل بشكل رسمي على صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، وبعد أن استعادت علاقاتها مع 46 دولة أفريقية من أصل 55 دولة. ويمثل قبولها عضوا مراقبا في الاتحاد الأفريقي ثمرة جهود مكثفة وطويلة قادها مسؤولون إسرائيليون، خصوصا في السنوات الأخيرة من عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
وهي جهود وازتها وكملتها أيضا مساعي دول أفريقية عريقة في التطبيع، كما إثيوبيا وجنوب السودان والكونغو الديموقراطية، في سبيل تشريع أبواب القارة أمام الإسرائيليين.
وتتطلع إسرائيل، من وراء عضويتها في الاتحاد الأفريقي، إلى فتح الآفاق أمام إقامة علاقات مع بقية الدول الأفريقية غير المطبعة معها.
فالاعتراف بها داخل الاتحاد يقدم لها الكثير من التسهيلات في التعامل مع الدول والهيئات التابعة له، والوصول إلى القنوات الشرعية والرسمية، والكثير من المنظمات الإقليمية، وأي هيئة قد تنشأ مستقبلا في الإطار الأفريقي.
ومن الممكن أن يكون لوجودها كمراقب تأثير في بعض القرارات من خلف الكواليس، بل وتوجيهها لصالحها، وهو ما قد يؤثر بشكل سلبي على القضية الفلسطينية، في المقابل، يحسن صورتها لدى الأفارقة من خلال إظهار أنه لم يعد في أفريقيا من يرفض وجودها أو يعاديها، وبالتالي تخفيف التعاطف الأفريقي مع القضية الفلسطينية، إن لم يكن تجفيفها.
وتدرك إسرائيل، بحسب تقرير لـ «الجزيرة»، أهمية أفريقيا التي تملك قدرات وإمكانيات هائلة من الموارد غير المستغلة، إضافة إلى حاجتها الماسة للتكنولوجيا الحديثة. وهي تضع هدفا إستراتيجيا لما تمثله هذه القارة من ثقل سياسي، ومورد اقتصادي، وسوق مفتوحة لمختلف منتجاتها المدنية والعسكرية، وعملياتها الخاصة، لهشاشة أوضاعها وسهولة التسرب إلى مفاصلها.
وبحسب تقرير لقناة «الجزيرة» فإن المجالات التي تستهدفها إسرائيل في أفريقيا، والتي استطاعت تحقيق اختراقات تدريجية هي:
٭ المجال السياسي والديبلوماسي: أدركت إسرائيل مبكرا حاجتها إلى من يدعمها في المحافل المختلفة القارية والدولية، فعمدت إلى بناء الجسور مع الدول طمعا في أصواتها في الشؤون المتعلقة بإسرائيل في المحافل الدولية. وبالتالي، منع الديبلوماسية المضادة لها من استصدار قرارات ضدها.
المجال الاقتصادي: إيجاد أسواق جديدة لها في الزراعة والتكنولوجيا المتقدمة. وتعتبر إسرائيل أكثر من يستغل - المعادن الثمينة في أفريقيا، حتى صارت من أكبر مصدري الماس والذهب واليورانيوم وغيرها من الموارد.
٭ المجال العسكري والاستخباري: يعتبر المجال العسكري والاستخباري أكثر المجالات التي تنشط فيها إسرائيل في أفريقيا، سواء كان في مبيعات السلاح، أو التدريب الأمني للجيوش الأفريقية، أو التقنيات وتكنولوجيا التجسس.
وتقدمت المقاربة الأمنية على ما عداها في علاقات إسرائيل مع عدة دول أبرزها إريتريا، على رغم مساندة إسرائيل التاريخية لإثيوبيا في قمع حركة التحرير الإريترية، خصوصا أن إريتريا تطل على ساحل البحر الأحمر وقريبة من الصومال، وقدرتها على أن تكون عازلا لإسرائيل عن التهديد المتوقع من الصومال الذي يتعاون مع حماس وإيران منذ مطلع العقد الفائت.
وتجسد هذا التعاون في تشغيل إسرائيل موانئ شحن بحرية ومحطة تجسس كجزء من جهودها لوقف تهريب إيران للأسلحة لحماس وحزب الله.
إضافة إلى التحالف الأمني بين إسرائيل وكينيا، أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في القارة. وقبل نهاية يوليو الماضي، وقع المغرب وإسرائيل اتفاقا للتعاون في قطاع الأمن السيبراني، بعد اتفاقهما على استئناف العلاقات الديبلوماسية في ديسمبر 2020. ويتوقع أن يكون لإسرائيل حضور معمق في الدعم العسكري للدول الأفريقية، يفوق كثيرا المستويات المعلنة رسميا.
٭ تغذية الصراعات: تستغل إسرائيل النزاعات المزمنة في كثير من الأقاليم الأفريقية، وتعمل على تغذية أطراف النزاع بالسلاح. والأمثلة كثيرة كدعم نيجريا في قضية بيافرا، وتغذية النزاع في الكونغو وجنوب السودان وتشاد وغيرها.
في الواقع، تنظر إسرائيل إلى أفريقيا إما على أنها مجال تقليدي للنفوذ في دول مثل إريتريا وإثيوبيا والكاميرون وغانا وساحل العاج وأوغندا، وخاصة رواندا في العقدين الأخيرين (بحاجة إلى تقويته، أو مجال جديد للنفوذ يجب تطويره) مثل دول الساحل الأفريقي ووسط أفريقيا (علما أن هناك نظما أفريقية تريد مساعدات أمنية من إسرائيل كوسيلة لتأمين بقائها، فيما ترى دول أخرى في علاقات جيدة مع إسرائيل طريقة مثلى لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، كما يتضح في أمثلة جنوب السودان.
وبالنتيجة، أصبح وجود إسرائيل طبيعيا في المحفل الأفريقي الأول، ولم يعد صعبا الوجود في التفاصيل الأفريقية الأخرى التي باتت تملك شرعية الوصول إليها.
ليفي أشكول ثالث رئيس وزراء لإسرائيل (1963 ـ 1969) قال ذات يوم «إن مستقبل الأجيال القادمة في إسرائيل، مرتبط بقدر كبير بنشاطها في القارة الأفريقية». وقد عمل كل قادة إسرائيل لتحقيق ذلك من دون كلل.