الحرية قيمة عظيمة ومعنى نبيل سام، كفلها لنا ديننا السمح ودستورنا الذي نتباهى به، وهي نعمة تستوجب الحمد والشكر، ولكن هناك أمرا غاية في الأهمية لا بد أن يعرفه الجميع وهو ان للحرية عنانا يشد ويرخى، فإذا شد بقوة انقطع بيد من لا يحسن استخدامه، وحقيقة الحرية خلاف ما يظنه بعض الناس الذين يستخدمونها لخلاف ما قامت عليه، فسوء استخدامها يعود بالوبال على من لم يحسن استخدامها، خاصة من يستخدمها لأغراض شخصية وأهواء شيطانية، فهي مثل الخيط الرفيع يحتاج الى دراية وتأن ورشد.
ولا شك أنها لذيذة الطعم لمن يفهم معناها وأصولها، ومرة الطعم لمن لا يفهمها، ولم تكن الحرية في يوم من الأيام مطية للأهواء والتوجهات والميل، ولا للسب والشتم والتعدي على الناس، فليس من حق أحد أن يجعلها وسيلة للاستخدام السيئ ثم يقول هذه حرية، كيف تعطي نفسك الحق بشتم غيرك باسم الحرية، فليس حرا من صادر حرية غيره، نعم أنت حر بإبداء رأيك دون قيد أو شرط، ولكن ليس لك الحق في أن تفرض رأيك علي، وتجبرني على هذا الرأي الذي لا يعجبني، وإن لم أكن كذلك فأنا عدوك اللدود، ما هكذا تورد الإبل يا هذا، أنت حر بانتقاد وجهة نظري، وحر بانتقاد عملي، ولكن لا شأن لك بي، وليس لك الحرية بالتجاوز والتطاول علي، والحط من قدري على مرأى ومسمع من الناس باسم الحرية، فالإفراط في الحرية على حساب الناس أمر مرفوض جملة وتفصيلا، ولا يقبله عاقل.
فحريتنا التي نعمنا بها منذ سنين طويلة لا تعني الخروج على المألوف، وتجاوز الخطوط الحمراء، ولا تعني أيضا التعدي على القيم والثوابت بألفاظ سوقية يندى لها الجبين، ولنكن وسطا في حريتنا على نحو قول المولى عز وجل (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ـ 29 الإسراء)، ومن خلال ما نلاحظه ونشاهده فإن هناك فوضى عارمة في الحرية تظهر جليا في سلوكيات بعض الناس وتصرفاتهم وكلامهم، وهذا ما لا نقبله من أحد كائنا من كان، وعلينا أن نسير على مبدأ احترم تحترم، ومن شذ فإنما يشذ على نفسه، فليس مسموحا لك بأن تفعل ما تريد دون مراعاة للقيم والعادات والتقاليد، لذا فنحن بحاجة ماسة إلى توعية المجتمع بمفهوم الحرية الصحيحة السليمة وتوضيح حدودها، وتعريف حقيقتها للجميع عبر وسائل الأعلام الكثيرة.
كما بات لزاما على هذه الوسائل أن تبين ما للحرية وما عليها، وفوائدها وأضرارها، وسن قوانين خاصة في هذا الجانب، فالسلوك المنفلت دون حسيب أو رقيب كارثة على الأسرة والمجتمع والدولة برمتها، فلا يوجد في أي بلد من بلدان العالم حرية مطلقة، لذلك علينا أن نسمي الأمور بأسمائها، فمتى كان الانفلات حرية؟!
ولم لا يحترم البعض حرية وخصوصية الآخرين، في حين أنه لا يقبل التدخل في خصوصياته؟ فكيف لنا أن نسوق مقولة «من ناحيته غفور رحيم ومن ناحيتي شديد العقاب»؟
ولماذا يسعى البعض لإيذاء من يختلف معه في الرأي؟ صحيح ان الإنسان حر مخير فيما يفعله خيرا كان أو شرا ولكن في الوقت ذاته عليه تحمل نتيجة اختياره، وما أجمل الحرية الإيجابية التي يقبل بها الجميع، فلم لا تكون حريتنا على هذا النهج والأساس كي نقف من خلالها عند حدود حرية الآخرين؟.
ومن الغريب جدا أن تمنع غيرك من الحرية التي استخدمتها وهذا ما يسمى الفجور في الخصومة، لقد حملت الحرية عندنا في الكويت خاصة فوق طاقتها حتى فرطت المسبحة، وكسر حاجز الاحترام والخجل عند بعض الناس، والحقيقة ان الحرية بهذه الطريقة لا تبني وطنا ولا مستقبلا، فهي تشبه إلى حد بعيد شريعة الغاب، إذن فالحرية مطية إن ضربتها لتسرع بك جمحت بك، وإن سرت بها على تؤدة وصلت إلى ما تريد، هذا ودمتم سالمين.