عندما قام دينيس فيلنوف بالتوقيع على إخراج نسخة للقرن الـ 21 من رواية الخيال العلمي الكلاسيكية «Dune» للمؤلف فرانك هيربرت، كان مدركا بلا شك لتاريخ الكتاب الطويل في هوليوود، فبعدما كان يعتقد في السابق أنه لا يمكن تصوير الرواية وتحويلها إلى فيلم، تم تحويلها من قبل ديفيد لينش إلى الفيلم الذي اشتهر بكونه غير متوازن في 1984، ثم تم إنتاج مسلسل محدود لقناة «Sci-Fi» والذي حصل على بعض الزخم في سنة 2000، لكن هذه الأعمال لم تتمكن حقا من إيصال العناصر الملحمية والروحية التي تمتاز بها رواية هيربرت، وهنا نتساءل «هل يستطيع فيلنوف من تحقيق ذلك؟» وأتت الإجابة محيرة بـ«نعم» و«لا»، فقد تمكن من تحقيق المستحيل مع الجزء الثاني من «Blade Runner» الرائع، لكن هل يوفي الفيلم حكاية الشخصية الرئيسية «بول آتريديس» حقها أخيرا، الإجابة «لسوء الحظ ليس تماما» فبالرغم من كل التصوير الساحر وقائمة النجوم الضخمة والتصوير الرائع للغاية لبعض التفاصيل المميزة في الرواية، إلا أن نسخته من «Dune» لا تتمكن من تقديم كل شيء كما يجب أن يكون.
اتخذ المخرج وشريكيه بالتأليف جون سبايتس وإيريك روث والشركة المنتجة القرار الذي يبدو منطقيا بتقسيم الرواية الضخمة على فيلمين منفصلين، لذا في الواقع ما يظهر على الشاشة من عنوان للفيلم هو «Dune، Part One»، وهذا القرار ليس فقط للسماح للعديد من اللحظات الصغيرة في الكتاب أو الشخصيات المساعدة بالتنفس أكثر، بل أيضا ربما ليكون الفيلم مخلصا للغاية للعمل الروائي، لكننا نعلم جميعا أن ما ينجح في الروايات قد لا ينجح عند تحويله إلى صيغة مرئية، وأكبر خطأ ارتكبه فيلينوف مع «Dune، Part One»، هو أن نصفه الثاني يبدو بطيئا وغير منتظم، كما لو أنه لا يعرف كيف ينتهي أو أين قبل أن ينتهي فجأة.
يلعب تيموثي شالاميت دور «بول أتريديس»، سليل عائلة «آتريديس» في مستقبل بعيد، حيث توجد مادة تعرف باسم «Spice» والتي تعتبر السلعة الأكثر قيمة في الكون المعروف، يقوم الإمبراطور بإرسال والد «بول» الدوق ليتو أتريديس (أوسكار آيزاك)، إلى الكوكب الصحراوي «آراكيس» ليتولى عملية إنتاج «Spice»، وهكذا تحزم العائلة بأكملها أغراضها وتنقل مقرها، بما في ذلك المستشارين العسكريين للدوق ومعلمي «بول» دنكان أيداهو (جيسون موموا)، وغورني هاليك (جوش برولين)، وعلى ما يبدو كل جندي وخادم يعمل لدى «أتريدس» ينتظرهم على هذا الكوكب المعروف باسم «Dune»؟ مستقبل غير مؤكد، لكن الدوق لديه خطة، ألا وهي تسخير «قوة الصحراء».
من ناحية أخرى، يشهد «بول» الحالم والمساء فهمه والمعذب أحلاما تنبؤية حول فتاة غامضة من سكان كوكب «آراكيس» الأصليين المعروفين باسم الـ «فريمن»، هذه الفتاة هي تشاني (زيندايا)، والتي قد يشعر بعض المشاهدين بالضيق لأنها بالكاد تظهر في الفيلم، لكن نكرر، العنوان يحمل اسم «الجزء الأول»، لذا علينا بالصبر. يبدأ «Dune» بتعليق صوتي لزندايا يشرح مدى جمال كوكبها، وتلخص بإيجاز التاريخ العنيف لـ «أراكيس»، الذي تم تصويره كما هو وسط مخاوف أكبر في المجرة بسبب وفرته الطبيعية بمادة «Spice»، ليأتي لاحقا الشرح حول بدلات «Stillsuit»، وهي البدلة المنقذة للحياة والمحافظة على المياه، وهذا أمر مذهل ورائع للوافدين الجدد، لكن بالنسبة الأشخاص الذين يعرفون مصدر المادة، فقد يشعرون أن هذه اللحظات تشوش انسيابية «Dune» مثل رمال «آراكيس» التي تخرب آلة «Spice». يستفيد النص من إضافة لحظات من حس الفكاهة من حين لآخر في الأحداث، ويساعد اختيار ممثلين ذوي شخصيات جذابة مثل «موموا» و«برولين» في دفع تلك العناصر الإنسانية إلى مكانها المناسب، وتلعب شخصيتا كلا الممثلين بشكل أساسي دورا شبيها بالأخ أو العم بالنسبة لـ «بول»، فيعلمانه كيفية القتال ويساعدانه على استيعاب فكرة أنه الوريث لهذه العائلة العظيمة. ومن ناحية أخرى، تعرف «جيسيكا» أنه ربما يكون هناك شيء أكثر إثارة في انتظار ابنها على «آراكيس»، ويؤدي هذا في النهاية إلى لحظة مؤلمة من الاتهامات يوجهها «بول» إلى والدته، والنظرة على وجهها تخبرنا أنه ربما يكون على حق.
في الواقع، يقدم كامل طاقم الممثلين أداء مميزا وقويا، وهو مليء بالوجوه الشهيرة ابتداء من خافيير بوردم بدور قائد «الفريمن»، إلى شارلوت رامبلينغ بدور الأم الموقرة من جماعة «بيني غيزيريت»، وصولا إلى ديفيد دبسمالتشين وستيفن ماكينلي هيندريسون، والآخرين، ثم يأتي الأشرار أيضا، فيقدم كل ممثل أداء رائعا مقنعا. يتمكن «Dune» بكل تأكيد من نقل المشاهد إلى المناظر الطبيعية الغريبة لهذا الكوكب من خلال العديد من الإنجازات التقنية في تصميم الإنتاج والأزياء والتصوير الفوتوغرافي والمؤثرات الصوتية والبصرية والمزيد ابتداء من المشاهد الخلابة والطائرات الغريبة، إلى الديدان الرملية الهائلة والمخيفــــة التي باستطاعتها التهام سفينة بسهولة.
في الختام، هناك الكثير ليحبه المشاهد في «Dune»، ومن خلاله أثبت فيلنوف أنه سيد أفلام الخيال العلمي الذكي، فالفيلم يمثل انتصارا عندما يتعلق الأمر بمؤثراته البصرية والصوتية، رغم انه يعاني في نصفه الأخير من بعض الضياع مما يعيقه ويشتت الانتباه عن جماله.