من بين عشرات أسئلة التقييم للخدمات يبقى هذا السؤال هو الأكثر ذكاء وخطورة - إن صح التعبير - «مقارنة بما دفعت، كيف تقيم الخدمة بشكل عام؟»، وللموظفين «مقارنة بما يحصل عليه الموظف من راتب وبدلات كيف تقيم عمله؟!».
وغالبا ما تشكل إجابة هذا السؤال ضربة موجعة أو صدمة للمقيم سواء كان راضيا أم غير راض، فكم من أسئلة عن الإقامة في فندق تتناول تفاصيل الغرفة والخدمات والاستقبال.. الخ وتكون إجاباتنا عنها سلبية وحينما نتذكر أن التكلفة المدفوعة أقل من غيرها نمسك أنفسنا عن التذمر، وبالمقابل فإذا دفعنا كثيرا فإننا سنرفع من سقف توقعاتنا وتقل حينها تقييماتنا!
كان أحد المؤتمرات مبهرا بمعنى الكلمة، سواء في الاستقبال والتنظيم والإعدادات والمنشورات وغيرها، ولكن عندما عرفت أن الميزانية المرصودة للمؤتمر وقتها تتجاوز 1.3 مليون دولار أميركي، تلاشى انبهاري بما رأيت وكأنه مؤتمر عادي واقل من ذلك! تعلمنا هذه المواقف أن نسأل دوما ما هو المردود وماذا دفع في مقابله حتى يتسنى لنا الحكم على الأشياء!
وفي سياق العمل وتقييم الموظفين، عادة ما يتم النظر إلى قضايا متعددة مثل: إنتاجية الموظف، وجودة العمل، والتغيب عن العمل، والتقدم نحو أهداف المؤسسة، والأداء الوظيفي، والسلوكيات المهنية، والمهارات والمعرفة، والمظهر الشخصي، والاعتماد على الذات والحس بالمسؤولية والقلق منها، وهنا يأتي سؤالنا الذكي «ما البدل والراتب الذي يأخذه الموظف مقابل هذه المعايير؟» وعندها سنجد أن الكثير من الموظفين الضعفاء مقارنة بما يدفع لهم هم أحسن بكثير من موظفين أقوياء من ذوي الرواتب العالية، لأن الأمور المبهرة التي يقوم بها ذاك الشخص ذي الراتب العالي يبهت الانبهار بها عندما يعرف المسؤول ما يتقاضاه ذلك الشخص في المقابل! وأذكر أن أحد الموظفين كان يقوم بمهمات عديدة، من الرد بسرعة على الإيميلات وإنجازات شكلية، لكن سرعان ما خبا إعجابي بأدائه عندما عرفت أن ما يتقاضاه من بدل يحتم أن يكون المنتظر منه أكثر وأكثر، وأنه في عمله لا يشكل تلك الندرة والقيمة المضافة المأمولة منه!ولذلك، من الأفضل أحيانا طلب أسعار عالية في تكلفة المشاريع لضمان مهنية واحترافية في تنفيذها، فهذا أفضل من طلب سعر أقل ومهنية منخفضة ترسخ في أذهان الآخرين، باستثناء الإدارات القوية والذكية والتي تسأل دوما ماذا دفعنا وماذا أخذنا مقابله؟
ولا يعني ذلك المبالغة في النظرة المادية البحتة، فقد يتفوق موظف على أخر ذي راتب وميزات أعلى منه في الأداء والإنجاز، إذا امتلك الدافع الداخلي، أو الرغبة في تحقيق الأهداف والقناعة برسالة عمله، وربما يكون لهذه تأثيرات تحفيزية جوهرية أكثر بكثير من المال وزهوته!
[email protected]