الحياة مليئة بالقصص العجيبة التي نأخذ منها العظات والعبر، وللزغنبوت قصة في الماضي جرت لأحد أبناء الكويت، وقد توفي، رحمه الله، منذ عدة سنوات وكان قد روى القصة لأصحابه الذين رووها لأبنائهم ولا يزال البعض منهم حي يرزق، وفي البداية فكلمة زغنبوت قريبة المعنى من السم الزعاف وربما جاء المعنى بالسحت والهلاك، وللزغنبوت أو الزغنبوط إن شئتم حكاية جميلة وعجيبة مع هذا الرجل عنوانها: رب ضارة نافعة، إذ يروى أن هذا الرجل كان يملك في الماضي دكانا في السوق القديم يبيع فيه المواد الغذائية والهيل والقهوة وما شابه ذلك، وإذا فتح دكانه وضع أمام الدكان كل صباح طاولة عليها دلة القهوة وصحن تمر لزبائنه وجيرانه، وكان أغلب زبائنه من خارج الكويت.
وبينما هو جالس في دكانه ذات صباح إذ أقبل إليه رجل فاستبشر خيراً لأنه أول زبون يأتيه صباح ذاك اليوم، فوقف الرجل ينظر إلى محتويات الدكان ويتأملها وكأنه لم يجد ما يريد فسأله: عندك قهوة وهيل وشاي؟ فرد صاحبنا بنعم، وبينما الرجل يتحدث لمح دلة القهوة والتمر فقال: ما شاء الله هذي قهوة وتمر!
فقال الرجل: نعم تفضل، فأقبل الزبون على التمر فأكله كله ولم يترك تمرة واحدة، ثم أقبل على القهوة فشربها ولم يترك منها قطرة، وصاحبنا ينظر إليه ويتميز من الغيظ، ولكنه لا يستطيع أن يقول شيئا، والذي زاد حنقه أنه لم يشتر منه قطمير، ثم التفت إليه الزبون وقال: ما اسمك يا طيب؟ فرد عليه بحنق: اسمي زغنبوط، وكررها عليه مرارا، وسبب حنق صاحبنا أنه سيضطر للذهاب إلى منزله سيرا على الأقدام لإحضار التمر والقهوة من جديد ومنزله بشرق وهو في السوق القديم والمسافة بعيدة، ثم التفت الزبون إليه وقال بلهجته «عز الله إنك رجال أجودي يا زغنبوط»، ثم ذهب الرجل لطيته وظل أصحاب الدكاكين يضحكون من سالفة التمر والقهوة وزغنبوت لفترة، ثم عزم صاحبنا على الحج وتوكل على الله وحزم أمتعته وسافر برا، وعند وصوله منتصف الطريق هاجمه مجموعة من قطاع الطرق وأخذوا كل ما معه تحت تهديد السلاح، وخاف خوفا شديدا لأنه كان أعزل، واحتار حيرة شديدة فلا هو تابع سفره وأكمل حجه ولا هو يستطيع العودة إلى الكويت، فلم يدر ما الذي يفعله.
وبينما هو كذلك إذا برجل يقترب منه وينظر إليه نظرا فاحصا، فظن أنه سيقتله ونطق الشهادتين، وسلم لأمر الله، فقال له الرجل: أنت زغنبوط صاحب الدكان في سوق الكويت؟ فثاب لصاحبنا رشده بعد الخوف الشديد وقال: من هو زغنبوط؟ قال: أنت زغنبوط وأنا الرجل الذي أكلت تمرك وشربت قهوتك، فتذكره في الحال، وقال: نعم صحيح تذكرتك، فالتفت الرجل إلى أصحابه وكان كبيرهم وصاح بهم: أعيدوا كل شيء أخذتموه من الحجي زغنبوط، فهو رجل له معروف في رقبتي شربت قهوته وأكلت تمره وصار له حق كبير علي، فرد اللصوص كل ما أخذوه له في الحال، فتنفس صاحبنا الصعداء وحمد الله على نجاته من الموت المحقق، وقال في نفسه: رب ضارة نافعة، فقد ينجي الزغنبوت من الموت أحيانا وواصل الرجل طريقه إلى بيت الله الحرام وحج وقضى فريضته وعاد إلى وطنه سالما، ودمتم سالمين.