- الغرفة تنظر إلى قضية إصلاح هيكل العمالة والتركيبة السكانية كقضية وطنية مثلثة الأبعاد فهي: المدخل الأهم لإصلاح أوضاع الميزانية والشرط الأساس لتعزيز الهوية الوطنية
- إصلاح هيكل العمالة والتركيبة السكانية لا يكون بقرارات مجتزأة بل بخطة متكاملة تستند إلى احتياجات الكويت ونموذجها التنموي
- من حق الكويت التي استثمرت في هذه الخبرات أن تستمر في الاستفادة منها خاصة أن الدراسات العالمية قد أثبتـت أن المرحلة العمرية الأكثر إنتاجاً هي من 60 إلى 70 سنة
- كان الأجدى أن تتوجه الجهود أولاً نحو القضاء على ظاهرة تجارة الإقامات بعد أن كشفت «كورونا» عن حقائقها الصادمة وتداعياتها الخطيرة
- استثناء العمالة الوافدة في الدولة أمر مستغرب واستثناء حملة الجنسية الفلسطينية توجّه كريم ومقدّر ويجب أن يشمل حملة جنسيات عربية أخرى
- معظم فرص العمل الناجمة عن قرار الستين لا تجتذب العمالة الوطنية في الوقت الراهن على الأقل وذلك باعتراف متخدي القرار أنفسهم
- يحدوني أمل كبير في أن تكون للقيادة السياسية كلمة فصل في هذا الأمر تعيد الأمور إلى مسارها العلمي الموضوعي في ضوء مصلحة الكويت
أكد رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت محمد الصقر أن من حق الكويت التي استثمرت في الخبرات لديها أن تستمر في الاستفادة ممن تجاوزا الـ 60 عاما من العمر خصوصا أن الدراسات العالمية أثبتت أن المرحلة العمرية بين 60 و70 عاما هي الأكثر إنتاجا.
وقال الصقر إن الكويت تنظر إلى قضية إصلاح هيكل العمالة والتركيبة السكانية كقضية وطنية مثلثة الأبعاد أولها أنها المدخل الأهم لإصلاح أوضاع الميزانية العامة والشرط الأساس لتعزيز الهوية الوطنية والجسر الذي تنتقل عليه الكويت لتكون دولة منتجين.
وأضاف ان هذه الأبعاد تتمثل في إصلاح هيكل العمالة والتركيبة السكانية ولا تكون «بقرارات مجتزأة وغير مدروسة» بل من خلال خطة متكاملة طويلة المدى تستند إلى احتياجات الكويت ونموذجها التنموي.
وأوضح أن البعد الثاني يتمحور حول أن معظم فرص العمل الناجمة عن «قرار الستين» لا تجتذب العمالة الوطنية في الوقت الراهن على الأقل، مبينا أنه «كان الأجدى أن تتوجه الجهود نحو القضاء على ظاهرة تجارة الإقامات بعد أن كشفت جائحة كورونا عن حقائقها الصادمة وتداعياتها الخطيرة». ولفت إلى أن «قرار الستين الجديد» خفض التكلفة على المشمولين به إلى النصف وخفض الضغط على منظومة الخدمات الصحية ولكنه لايزال قرارا منفردا خارج سياق الخطة الشاملة لإصلاح التركيبة السكانية».
وقال الصقر إن «استثناء العمالة الوافدة في الدولة أمر مستغرب واستثناء حملة الجنسية الفلسطينية توجه كريم ومقدر ويجب أن يشمل حملة جنسيات عربية أخرى تعيش بلادهم ظروفا قاسية» وفيما يلي التفاصيل:
بعدما أثار جدلا صاخبا على مدى 14 شهرا، أقر مجلس إدارة الهيئة العامة للقوى العاملة إلغاء قراره 520/ 2020، الصادر في أغسطس 2020، والذي حظر تجديد أذونات العمل للوافدين الذين بلغوا من العمر 60 عاما وأكثر، ولا يحملون إلا شهادة الدراسة الثانوية فما دون.
لماذا كان لغرفة تجارة وصناعة الكويت بالذات ولكم شخصيا نشاط متميز في العمل على إلغاء هذا القرار أو تعديله؟
٭ في البداية، لابد من التأكيد المطلق على أهمية وضرورة معالجة الاختلال الكبير والخطير في هيكل القوة العاملة والتركيبة السكانية في الكويت. وهو أمر تدعو إليه الغرفة منذ أكثر من 3 عقود. وموقف الغرفة من هذه القضية ينبثق من كونها قضية وطنية مثلثة الأبعاد، فهي - اقتصاديا - المدخل الأهم لمعالجة أوضاع الميزانية العامة للدولة. وهي - اجتماعيا - الشرط الأساس لتعزيز الهوية الوطنية والأمن المجتمعي. وهي - سياسيا - الجسر الذي يجب أن تجتازه الكويت لتتحول من دولة موظفين إلى دولة منتجين، مع كل ما يحمله هذا التحول من انعكاسات إيجابية على الإدارة والدخل والممارسة الديموقراطية. غير أن إصلاح هذا الاختلال لا يكون - برأي الغرفة - بقرارات مفاجئة ومجتزأة كالقرار 520/2020، بل يكون من خلال خطة متكاملة طويلة المدى ذات تشريعات وإجراءات وتدابير مواكبة وداعمة ومتدرجة، تستند الى احتياجات البلاد، والى تعزيز تنافسيتها الاقتصادية وأمنها المجتمعي، وعلاقاتها الدولية. وهذا بالتحديد ما حاولت الدولة أن تتبناه وتعمل على أساسه بموجب القانون الذي صدر نهاية عام 2020 في شأن «تنظيم التركيبة السكانية»، وهذا - بالتحديد أيضا - ما تعمل على رسم مراحله وخطواته اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء لإصلاح هيكل العمالة والتركيبة السكانية في البلاد.
وهذه النظرة العلمية والشمولية لأهمية القضية وصعوبتها وتشابك أبعادها على الإنتاج والاستثمار والأسعار، هي التي دعت الغرفة إلى العمل على تدارك الانعكاسات السلبية للقرار الإداري 520/2020 أو قـــرار الـ 60، كما جرى التعارف على تسميته وذلك بعد أن درست المذكرات التي تلقتها من العديد من الاتحادات النوعية والشركات والمؤسسات في هذا الصدد.
وقد شمل تحرك الغرفة الكتابة الى سمو رئيس مجلس الوزراء، والاجتماع بكل الوزارات والجهات الرسمية والاقتصادية المختصة أو الكتابة إليها. وكرئيس للغرفة، كان من واجبي أن أبذل كل جهد ممكن لحمل توجهاتها وتوجيهاتها في إطار مصلحة الكويت. خاصة ان القرار لم يأخذ حظه من الدراسة في ظل ضغوط الجائحة الصحية. وعلما أن الدراسات العلمية العالمية قد أثبتت أن المرحلة العمرية بين 60 و70 سنة هي أكثر مراحل العمل إنتاجا، وعلما أن معظم من شملهم «قرار الستين» قد عملوا في الكويت سنوات طويلة صقلت خلالها خبراتهم وتطورت قدراتهم في سوق العمل الكويتي، ومازال من حق الكويت التي استثمرت في بناء هذه الخبرات أن تستمر في الاستفادة منها. وقبل هذا كله، لابد من الإشارة الى أن الغالبية العظمي من فرص العمل التي تأثرت بالقرار هي فرص لا تجتذب العمالة الوطنية في الوقت الراهن على الأقل، وذلك بإقرار أصحاب القرار أنفسهم.
ومن اللافت للنظر هنا أن القرار 520/2020 قد صدر في وقت كانت فيه الكويت كلها تتابع بكثير من الحزن والغضب ما كشفت عنه الجائحة الصحية من حقائق صادمة عن تكلفة وتداعيات تجارة الإقامات واستغلال العمالة الوافدة الهامشية. وكانت الكويت كلها تطالب بالكشف عن كل المؤسسات والشركات والأفراد المتورطين في هذه الظاهرة الآثمة. وبدل أن تركز كل الجهات المعنية والمختصة جهودها على مكافحة هذه الظاهرة، اختارت الهيئة العامة للقوى العاملة أن تبدأ خطواتها «الإصلاحية» بالعمالة القانونية ذات الخبرة الطويلة في سوق العمل الكويتي. وعلى كل حال، إن اختلاف الاجتهادات في قضايا الإصلاح والتنمية أمر طبيعي وقد يكون ضروريا. المهم أن يكون الاحتكام في هذا الاختلاف للمصلحة العامة وعلى أسس الدراسة والحوار والمشاركة.
ويبقى لي في هذه الإجابة ما كان يجب أن استهل به إجابتي وهو أن أتقدم باسم غرفة تجارة وصناعة الكويت وباسمي شخصيا بالثناء والتقدير من سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الذي كان لاهتمامه بهذا الموضوع ومتابعته له أكبر الأثر وأطيبه، خاصة ان هذا الاهتمام قد انبثق عن إلمام كامل وتفهم عميق لكل أبعاد الموضوع الاقتصادية والوطنية والإنسانية.
القرار الجديد
في الاجتماع الذي عقده مجلس إدارة الهيئة العامة للقوى العاملة يوم الخميس 4 الجاري، أقر المجلس إلغاء «قرار الستين» اعتمادا على رأي الفتوى والتشريع كما ذكرتم، وأقر - بأغلبية الأصوات - قرارا جديدا يسمح بتجديد أذونات العمل للوافدين، الذين بلغوا سن الستين وما فوق ولا يحملون إلا شهادة الثانوية العامة فما دون، شريطة دفع رسم سنوي يبلغ 500 دينار، وشريطة أن يكون لديهم تأمين صحي شامل وخاص. هل يتفق القرار الجديد مع نظرة غرفة تجارة وصناعة الكويت إلى هذه القضية؟
٭ في هذا الصدد، يجب أن نتذكر أن القرار 520/2020 في صيغته الأولى كان يحظر تجديد أذونات عمل من يشملهم بشكل مطلق. أي أن على كل عامل وافد بلغ الستين من العمر فأكثر ولا يحمل إلا شهادة الدراسة الثانوية فما دون، أن يغادر الكويت. ثم جرى تعديل القرار ليسمح بتجديد اذن العمل مقابل رسم سنوي يبلغ 2000 دينار، أي أن التعديل في حقيقته كان تأكيدا للقرار الأصلي ولكن بصيغة أخرى؛ لأن الغالبية العظمى ممن يشملهم القرار هم من أصحاب الأجور المتواضعة الذين لن يستطيعوا سداد الرسم المطلوب (2000 د.ك سنويا). أما القرار الجديد فإنه من الناحية المالية - لا يعدو كونه تخفيضا لهذا الرسم إلى قرابة النصف، ولكن القرار الجديد يتميز بأنه يخفض الضغط على منظومة الخدمات الصحية في البلاد بنسبة بسيطة جدا لا تتجاوز 2%.
إن الغرفة لا تطرح نظرة خاصة بها في هذه القضية بالذات، ما تطرحه الغرفة هو نفس ما تقول به كل الدراسات العلمية المحلية والدولية، من أن معالجة الاختلال الخطير في هيكل العمالة والتركيبة السكانية في البلاد لا يعالج بقرارات منفردة ومفاجئة وقابلة للمساومة، بل يعالج من خلال خطة شاملة متكاملة كما سبق أن ذكرت. والقرار الجديد - مثل سابقه - يقع خارج هذا السياق تماما.
إن معالجة هيكل العمالة والتركيبة السكانية لا يمكن أن تقوم على الاجتهادات مهما أخلصت، وعلى محاولة التوفيق بين الآراء المختلفة مهما تقاربت أو تباعدت، بل لابد أن تنطلق من دراسات معمقة تأخذ بعين الاعتبار كل التشابكات، وترصد التداعيات المتوقعة على مختلف القطاعات، والتكلفة الاقتصادية وانعكاساتها على مستويات الأسعار وتكاليف المعيشة، كما أن معالجة الخلل في هيكل العمالة والتركيبة السكانية جزء أصيل من استراتيجية التنمية والإصلاح يتأثر بها ويؤثر فيها، ولا يمكن أن يفصل عنها.
ونحن في الغرفة نتساءل: لماذا هذا الاستعجال في هذه الجزئية بالذات؟ وأين العدالة في استثناء الوافدين العاملين في الدولة؟ وإذا كان استثناء حملة الجنسية الفلسطينية لفتة انسانية مستحقة وواجبة التقدير، فماذا عن حملة جنسيات عربية أخرى تعيش بلادهم ظروفا قاسية تفرض استثناءهم أيضا؟ علما أن الأصل والسائد في التعامل مع من تقدموا في السن هو أن يحصلوا على مزايا جديدة تقديرا لخدماتهم الطويلة، أما قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للقوى العاملة فهو يسير بعكس هذا التيار العادل والانساني، إذ يفرض عليهم رسوما لا تفرض على من هم أقل خدمة وخبرة وأعلى منهم أجرا.
من هذه الحقائق كلها، يحدوني أمل كبير في أن تكون للقيادة السياسية كلمة فصل في هذا القرار، تعيد الأمور الى مسارها العلمي الموضوعي في ضوء مصلحة الكويت، وفي ضوء اعتبارات العدالة والإنسانية.