انتهت مؤونة السفن التي كانت ترافق كريستوفر كولمبوس، خلال اكتشافه لأميركا فعرج على إحدى الجزر النائية، يطلب من أهلها أن يمدوه بالغذاء حتى يكمل رحلته، فعرض عليهم أن يبادلهم مقابل ذلك بالذهب، ولأنهم لا يعرفون قيمته رفضوا عرضه، فحاول معهم بكل الطرق، ولكن الفشل بالتفاوض كان يرافقه، وبعد تفكير طويل، وبحث بعادات وثقافة أهل الجزيرة، اكتشف أنهم يعبدون القمر، ولأنه كان بحارا، ولديه معلومات فلكية، يعرف أن هناك خسوفا للقمر سيحدث بعد أسبوع، فجمع أهل الجزيرة، وهددهم إن لم يعطوه المؤونة، سيطلب من آلهته القوية أن تأكل إلههم الضعيف، فضحكوا عليه وسخروا منه، وحين الموعد جمع أهل الجزيرة، وأراهم الخسوف، مدعيا أنها قوة آلهته، فما كان منهم إلا أن قبلوا يعطونه كل ما يريد مقابل أن يرجع آلهتهم (القمر)، ولأنه يعرف أن الخسوف مدته محدودة، وافق فورا، وأخذ يمثل بأنه يطلب من إلهه أن يترك القمر وشأنه، فرجع القمر بعد الخسوف وحصل كولمبوس وبحارته على ما أرادوا.
هذه القصة دائما ما يسردها عالم الفلك نيل تايسون في مقابلاته، وهي قصة تدلل على مدى أهمية العلم والمعلومات، واستخدامهم في الوقت الصحيح المفيد، لو أن أي شخص كان مكان كولمبوس ويعرف معلومة الخسوف، ستكون نسبة استخدامه لهذه المعلومة بطريقته متدنية، لكن لأن كريستوفر كانت لديه خبرة طويلة بالاحتكاك مع سكان أميركا الأصليين، ويعرف ثقافتهم، والطريقة الصحيحة للتعامل معهم، استطاع بسهولة أن يخدعهم، وينجو بحياته ومن معه من الطاقم.
كلما كان لدى الإنسان معلومات أكثر، واستطاع أن يربط فيما بينها، ويستخدمها في الوقت المناسب تطور أكثر، وكذلك المجتمعات، فنرى المجتمعات المتطورة، تسعى جاهدة للحصول على معلومات ما استطاعت لذلك سبيلا، بل أصبح التنافس ليس فقط على الحصول على المعلومة، إنما على سرعة الوصول إليها، وكان هذا واضحا خلال أزمة كورونا، وكيف تنافست المجتمعات المتطورة على سرعة الحصول على اللقاح، ولا أحتاج لأن نقول اننا كعرب كنا خارج هذه المنافسة، ومجرد منتظرين لنهايتها حتى ندفع الأموال ونحصل على اللقاح لننجو من الأزمة، التي شلت اقتصادنا وحركتنا، وما دورنا في أزمة كورونا إلا مجرد مثال بارز على جلوسنا على مقاعد المتفرجين، وعدم مقدرتنا على المشاركة في هذه المنافسات العلمية العالمية.
لدينا كل الإمكانيات المادية كالعقول والأموال والأراضي الواسعة، لكن بالجانب الآخر لدينا نقص واضح بالإمكانيات المعنوية، فليس لدينا إيمان بفكرة التطور، وإن كنا أكثر أمة نتحدث عنه، إلا أن أفعالنا لا تتطابق نهائيا مع أقوالنا، فأصبح التطور مجرد حلم نتحدث عنه، ولا نسعى إليه، فالمنطق يقول إن رغبنا فيه يجب أن نبدأ من الناحية المعنوية، وتغير الأفكار الداعمة للتخلف، وإحلال أفكار تطورية مكانها، وإلا أصبحنا مثل سكان الجزيرة في قصة كولمبوس، وتستخدم المجتمعات المتطورة معلوماتهم علينا ويخدعوننا.