بعد نجاة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من محاولة الاغتيال، يكون العراق قد نجا من «مفترق طرق» كان سيعيده الى مربع الفوضى ونقطة الصفر، وكان سيؤدي الى خلط أوراق الصراع الداخلي وينقله من جديد من الأطر والمؤسسات السياسية الى الشارع.
وقد تفاعل المجتمع الدولي بشكل سريع مع الحدث العراقي وظهرت موجة من الإدانة القوية لهذه العملية الإرهابية، وهذا يظهر من جهة أهمية العراق في الحسابات والمصالح الدولية، ومن جهة ثانية يشير الى أهمية الكاظمي الذي لا ينتمي الى نادي رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على رئاسة الحكومة ولا يشبههم، بدءا من نوري المالكي مرورا بحيدر العبادي ووصولا الى عادل عبد المهدي، فقد تمكن الكاظمي في فترة زمنية وجيزة من إعادة العراق الى الساحة الدولية، والى دوره الإقليمي ومحيطه العربي، وشرع في عملية إعادة بناء الدولة التي أعطتها الانتخابات الأخيرة قوة دفع، كما نجح في ترسيخ وتقديم فكرة «العراق الدولة» على «العراق الساحة»، بمعنى ألا يبقى ساحة لصراعات خارجية تبقيه مفككا وضعيفا ومهددا في أمنه واستقراره وازدهاره.
مصطفى الكاظمي البراغماتي الهادئ الآتي الى رئاسة الحكومة من عالم المخابرات، مستندا الى شبكة علاقات خارجية ومدركا واقع التركيبة السياسية الطائفية في العراق وتوازناتها الدقيقة وامتداداتها الإقليمية، لم تسعفه تجربته وخبرته المكتسبة في تفكيك الألغام الداخلية التي تراكمت وانفجرت مرة واحدة بعد الانتخابات، وكادت أن تقتله وتشطبه من المعادلة في عملية اغتيال معدة بإتقان.
وكان أول سؤال منذ اللحظة الأولى لعملية الاستهداف هو: من قام بهذه العملية المقتحمة للمنطقة الخضراء والكاسرة للخطوط الحمر، والتي تحتاج الى «قرار كبير»؟! ومن يملك الطائرات المسيرة والخبرة في تسييرها وإصابة اهدافها بدقة؟! وفي اي إطار تدرج محاولة اغتيال الكاظمي وإزاحته وشطبه من المعادلة.. هل في إطار الصراع الداخلي الذي استعر بفعل الانتخابات البرلمانية الأخيرة ويدور حاليا حول الحكومة المقبلة، أم في إطار الصراع الخارجي الذي يتمحور بين إيران وأميركا على أرض العراق، ويستعر مجددا عشية استئناف مفاوضات فيينا اواخر نوفمبر الجاري وتجميع أوراق القوة والتفاوض؟!
أولا: تبدو الصلة الوثيقة بين استهداف الكاظمي والانتخابات التي جرت ولم تعلن نتائجها النهائية الرسمية بعد، بحيث جاء هذا الاستهداف ليتوج مسارا تصعيديا على المستويين السياسي والشعبي، مع رفض ميليشيات الحشد الشعبي لنتائج الانتخابات والتنديد «بتزويرها»، وقيام تظاهرات عند مداخل المنطقة الخضراء تخللتها أعمال عنف وإطلاق نار على المتظاهرين أدت الى قتل وجرح العشرات بينهم قيادي في «عصائب أهل الحق» الأكثر نفوذا في «الحشد الشعبي» الذي يرفض نتائج الانتخابات، كما ترفض عودة الكاظمي الى رئاسة الحكومة وهذا هو «لب» المعرك الدائرة في العراق حاليا حول رئاسة الحكومة المقبلة، بين التيار الصدري المتصدر للانتخابات والساعي الى تحالف مع كتلتين سنية وكردية، وبين ميليشيات الحشد الشعبي التي يمكن أن تعيد تشكيل الكتلة الأكبر مع نوري المالكي وتحالفات مع السنة والاكراد.
هذا البعد الداخلي للأزمة المتفجرة في العراق التي يمكن أن يدخل على خطها طرف ثالث، وأن تشهد فوضى وخروقات أمنية، لا ينفي البعد الخارجي المتمثل في صراع ايراني-اميركي مستدام على ارض العراق، تستخدم فيه الوسائل والأسلحة السياسية والشعبية والأمنية.