في الوقت الذي يواصل فيه ممثلو أكثر من 200 دولة مناقشاتهم حول ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي في قمة الأمم المتحدة للمناخ «كوب 26» التي تستضيفها مدينة غلاسكو الاسكتلندية منذ بداية الشهر الجاري، يرى كثيرون أن الاحتباس الحراري حدث بالفعل ولكن العالم غير مستعد للتعامل معه.
وترى الكاتبة الأميركية كلارا فيريرا ماركيز في تحليل نشرته وكالة «بلومبيرغ» للأنباء أن العالم اعتاد النظر إلى الدعوة للتكيف مع التغير المناخي باعتبارها تشتيتا للانتباه عن الهدف الأشد إلحاحا وهو منع التغير المناخي.
وقد بات واضحا اليوم أنه لم يعد الانتظار ممكنا للتكيف مع الاحتباس الحراري. فالفيضانات وموجات الجفاف والأعاصير القوية وموجات الحرارة في شمال غرب المحيط الهادئ خلال العام الحالي وحده تذكر العالم بأن هذه الحقيقة مكلفة ولا يمكن التنبؤ بآثارها مع تزايد حدتها. والعالم يحتاج اليوم إلى كل من الاستعداد للتعامل مع الاحتباس الحراري وتخفيف حدته من أجل تجنب تزايد الجوع واضطرابات الأمن والهجرة الجماعية.
وأصدرت الأمم المتحدة تقريرا ضمن فعاليات قمة غلاسكو ذكر أن تكلفة التكيف مع التغير المناخي في الدول النامية الآن تزيد عما بين 5 و 10 أمثال الأموال العامة التي تستثمرها تلك الدول.
وهذه الفجوة تزداد اتساعا مع ارتفاع التكلفة والتي يمكن أن تصل إلى 500 مليار دولار سنويا بحلول عام 2050 لنفس الاقتصادات الصاعدة والتي تواجه أعباء أكبر مقارنة بمواردها.
في ظل هذه الأوضاع تطرح الكاتبة الأميركية كلارا ماركيز هذا السؤال: لماذا لا نستثمر أكثر لمساعدة العالم ككل في التغلب على مشكلة الاحتباس الحراري؟ وبحسب مؤسسة هينريش بول فاونديشن فإنه من بين 3.4 مليارات دولار وافقت صناديق المناخ متعدد الأطراف على إنفاقها في العام الماضي في 151 دولة ذهب 1.6 مليار دولار فقط إلى مشروعات تخفيف حدة الاحتباس الحراري، في حين تم إنفاق أقل من 900 مليون دولار على مشروعات تخفيف حدة الظاهرة والتكيف معها. وبلغ نصيب مشروعات التكيف مع الاحتباس الحراري أقل من 600 مليون دولار.
بالطبع فإن أفضل طريقة للتعامل مع الأمطار الغزيرة وارتفاع منسوب مياه البحار، هي خفض الانبعاثات الكربونية وتجنب هذه النتائج تماما. لكن حتى وفق سيناريو متفائل يتضمن الوصول بالعالم إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول 2050، يمكننا توقع تغييرات مناخية كبيرة، تتسبب في معاناة كبيرة للدول الأفقر والأقل استعدادا لمواجهة عواقب التغير المناخي بما في ذلك دول جنوب الصحراء الإفريقية وجزر المحيط الهادئ. ومع ذلك هناك تحسن على صعيد هذا الملف.
تقول الأمم المتحدة إن ما يقرب من 80% من دول العالم لديها خطة وطنية واحدة على الأقل للتكيف مع الاحتباس الحراري، سواء كانت في صورة استراتيجية أو قانون. لكن التغير المناخي يفوق الاستعدادات لمواجهته والتمويل المتاح غير كاف والبيانات الخاصة بكل من المخاطر والخطط منقوصة.
لكن المشكلة الأساسية هنا واضحة. فمشروعات التخفيف من حدة الاحتباس الحراري والتغير المناخي سواء كانت محطات طاقة شمسية أو سيارات كهربائية تكون أكبر وتحصل على التمويل سواء من المؤسسات الدولية أو التجارية بصورة أسهل.
في المقابل، فإن مشروعات التكيف مع الاحتباس الحراري تكون أصغر حجما وذات عائد مالي منخفض أو بدون عائد على الإطلاق ومطلوبة بصورة أكبر في الدول النامية ذات القدرة المحدودة على جذب الاستثمارات المطلوبة.
لذلك ما الحل؟
أولا، يجب إدراك أن التكيف مع التغير المناخي مسألة عابرة للحدود وليست قضية محلية، كما قالت جورجيا سافيدو في معهد ستوكهولم للبيئة. وقد أقر اتفاق باريس للمناخ الذي تبناه العالم في 2015 بهذه الحقيقة. ولكن عند وضعها في مواجهة تخفيف حدة التغير المناخي تبدو مشكلة الجفاف في الصحراء الافريقية أو ارتفاع سطح البحر في بالاو، مشكلة محلية وليس لها تأثيرات أوسع نطاقا. ولكن الآثار الجانبية لانهيار المحاصيل الزراعية نتيجة الجفاف أو هجرة المواطنين نتيجة ارتفاع منسوب سطح البحر ستؤثر على الجميع بلا شك.
وتقول ماركيز إنه يجب الآن الاعتراف بالحاجة إلى الاستثمارات الخاصة من أجل التكيف مع التغير المناخي. وبالفعل فإن الدور المحدود للمستثمرين التجاريين في التكيف، يزداد، مع تزايد الاهتمام بخدمات التأمين ضد الكوارث المناخية، لكن هؤلاء المستثمرين مازالوا أقل اهتماما بالدول الأشد فقرا. ويعني هذا أنه يتعين على بنوك التنمية والمانحين الدوليين تحسين دورهم وضمان رأس المال المستثمر في هذه المشروعات وهو ما يعني حذف المخاطر التي تهدد الاستثمارات في مثل هذه المشروعات.
كما يمكن للمؤسسات الدولية تقديم المساعدة لجعل مشروعات التكيف مع التغير المناخي أكثر جاذبية للمستثمرين، على الأقل بتجميع أعداد منها في حزمة واحدة لتصبح أكثر جدوى من الناحية الاستثمارية.
وتختتم الكاتبة الأميركية كلارا ماركيز المتخصصة في قضايا الحوكمة والتنمية الاجتماعية، تحليلها بالقول إن هناك حاجة إلى تعريف مفهوم التكيف بصورة أوضح والتعامل معه بنظرة أوسع نطاقا. إن نصيب الأسد من تمويلات اليوم تخصص لعدد محدود من المجالات مثل المياه والزراعة، وتتجاهل أسس حيوية لمواجهة التغير المناخي مثل التعليم أو الصحة.
فالسكان الأكثر صحة والأفضل تعليما أشد مرونة وقدرة على مواجهة التغيرات. كما يجب الاهتمام بصورة أكبر بالتعددية مثل ضمان قيام المرأة بدور أكبر في كل مشروع. وأخيرا فإن التغير المناخي كارثة حلت، وفات الآوان لمنعها.