سؤال منطقي يطرح نفسه مع كل تشكيل وزاري جديد، خاصة أن لدينا بعض السوابق لوزراء صحة لم يكونوا أطباء لكنهم أداروا الوزارة بنجاح، وهو ما لا يجعل ضرورة لتولي منصب وزارة الصحة لأطباء فقط. ومن الطبيعي أن الوزير لا يمارس عملا فنيا طبيا لكنه يدير سياسيا ملف الصحة من حيث تلبية احتياجات المواطنين سواء بالمشاريع التنموية أو التطويرية أو الإنشائية، وهذه الإدارة تحتاج إلى مهارات وخبرات قد لا تتوافر بين الأطباء لأنهم لم يدرسوها ولم يمارسوها، حيث إن الإدارة الصحية ليست مهارة لدى الأطباء في جميع المستويات، وأن ميزانية الدولة وحجم العاملين بـ«الصحة وتطلعات المجتمع للصحة وضرورة التخطيط العلمي لها قد لا تتطلب وجود أطباء بينما يجب أن يمارس الطبيب عمله الطبي والمهني دون الاجتهاد في الإدارة والأعباء السياسية وألاعيب السياسة ودهاليزها التي لا يمكن التعامل معها بالمنظار أو بالأدوات الطبية المعروفة فقط.
إن مفهوم الصحة يختلف إلى حد كبير عن مفهوم الطب التقليدي، وإن مهام وزير الصحة ليست كتابة وصفات طبية او إجراء عمليات جراحية أو توليد، بل يقود منظومة متكاملة لابد من التركيز على استراتيجيات وخطط وبرامج تهدف الى تحقيق الصحة للجميع باعتبارها العنصر الرئيسي للتنمية الشاملة، وهو ما يحتاج إلى مساعدين قادرين علميا وعمليا ليكونوا الذراع الفنية للوزير وليس بالضرورة من الأطباء فقط.
وقد يتطلب الأمر إعادة التفكير في اختيار منصب وزير الصحة للمرحلة القادمة وعلاقتها بالاقتصاد والتنمية الشاملة والتخطيط العلمي للمستقبل الذي لا يحتاج إلى مقويات أو عمليات جراحية أو وصفات طبية فمن يستطيع إدارة ملف الصحة ليس بالضرورة أن يكون من ذوي الرداء الأبيض وخبراتهم البعيدة عن الإدارة علميا وعمليا ومهنيا وممارسة، مع الاحترام الكامل لكل من يتطلعون إلى الإدارة الصحية بجميع مستوياتها دون التفكير في مسؤولياتها وأعبائها.
إن محاسبة وزير الصحة تكون عن السياسات والخطط، وهي أشمل وأكبر من خطأ طبي أو صرف دواء بالخطأ أو ممارسات غير مهنية. يجب أن تتوافر الخطط والبرامج العلمية للتصدي لتحديات الصحة مهما كانت مهنة الوزير سواء كان طبيبا أو غير طبيب.