مدرسة يابانية طلبت من الطلاب أن يأتي كل منهم بعلبة مشروبات غازية (ألمنيوم) فارغة، ليستخدموها في المدرسة كإعادة تدوير، وكان هذا الطلب اختياريا لا إجبار فيه، وأضافت على الطلب بأن هناك جائزة إن قامت كل المجموعة بإحضار العلب، قد يبدو الطلب سخيفا، ولكن أولياء الأمور أشعلوا وسائل التواصل الاجتماعي احتجاجا على هذا الطلب، وحجتهم بذلك أن هذا الطلب ليس اختياريا نهائيا، فالطالب الذي لن يحضر العلبة الفارغة، لن تأخذ كل مجموعته الجائزة بسببه، وقد يلومه زملاؤه ويتنمرون عليه، وحتى لا يحدث هذا، سيقوم كل ولي أمر بإحضار العلبة الفارغة صاغرا لحماية ابنه، فرفضوا هذه الفكرة، وذهبوا لإدارة المدرسة ليعبروا عن استيائهم من طريقة الإدارة، وكتب بعضهم الرسائل تطالب بإيقاف هذه «المهزلة».
هناك تفاصيل صغيرة بوجهة نظر المجتمعات الأخرى، تصبح كبيرة عند المجتمع الياباني، من غير المعقول أن مجرد علبة فارغة يستطيع أي شخص الحصول عليها بسهولة، تثير كل هذه الزوبعة، ولكن المجتمع الياباني لا ينظر لها بالقيمة المادية، إنما النظرة المعنوية للموضوع أعمق وأهم، فالمدرسة التي تطلب علبة بشكل شبه اختياري اليوم، قد تطلب بشكل إجباري غدا، وتتطور إلى أشياء غالية في المستقبل، وليس هنا فقط المشكلة، إنما المشكلة الفعلية تكمن في أن يتعود الطلبة وأولياء أمورهم على الرضوخ للأوامر (غير المستحقة)، وعندها تنهار منظومة المجتمع.
كل المجتمعات والأفراد الطبيعيين لديهم المعرفة الأساسية للتمييز بين الخير والشر أو الصح والخطأ، لكن الاختلاف بينهم يكمن في مدى ترسخ هذه الأفكار فيهم، ومدى العمل بها، وانعكاسها على سلوكهم، والاستعداد للتضحية بالمال والوقت وحتى بالنفس في سبيلها، فمجرد المعرفة بالقيم لا يعني أنها تطبق على الواقع، بل ان الشعوب الحية قدمت تضحيات بشرية هائلة حتى تصل الى هذه المرحلة من التطور الفكري، الذي انعكس بدوره على التطور المادي، وحتى يحافظوا على هذه المنظومة الاجتماعية التي وصلوا إليها، لا بد لهم من أن يهتموا بهذه التفاصيل الصغيرة، حتى لا تكبر.