بإعادته رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الى منصبه بعد شهر من «الانقلاب» الذي قاده ضده وضد شركائه المدنيين، يحاول الجيش السوداني إرضاء المجتمع الدولي شكلا مع تثبيت هيمنته على المرحلة الانتقالية، وفق ما يقول محللون.
ويقول الباحث في مركز «ريفت فالي إنستيتيوت» مجدي الجيزولي «رئيس الوزراء وحلفاؤه استسلموا تماما» أمام قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذي اعتقلهم في 25 أكتوبر الماضي، يوم إعلانه حل مؤسسات الحكم الانتقالي وإقصاء المدنيين من السلطة، قبل أن يعيد حمدوك الى منزله ولكن قيد الإقامة الجبرية.
وبعد قرابة شهر على «الانقلاب»، رفعت الإقامة الجبرية عن حمدوك الذي وقع مع البرهان اتفاقا يقضي بعودته الى رئاسة الحكومة ولكن كذلك بالقبول بالتشكيلة الجديدة لمجلس السيادة، السلطة الأعلى خلال المرحلة الانتقالية الذي استبعد منه قائد الجيش أربعة مدنيين يمثلون ائتلاف قوى الحرية والتغيير، التكتل السياسي المنبثق عن الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير عام 2019، والمطالب بتسليم السلطة كاملة الى المدنيين.
وأبقى البرهان على نفسه رئيسا لهذا المجلس وعلى نائبه محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات في دارفور.
ويقول الجيزولي لـ «فرانس برس»: «هذا ما كان يريده الجيش منذ البداية»، متابعا «إنها ليست مفاجأة ولكنها ببساطة تضفي على الانقلاب وضعا طبيعيا، فيصبح الأمر الواقع الجديد».
ويتابع «لو أن حمدوك سلم قبل 25 اكتوبر، كان يمكن تجنب الكثير من الخسائر» في الأرواح، في إشارة الى سقوط 41 قتيلا في قمع تظاهرات معارضة للانقلاب، وفقا للجنة الأطباء المركزية المؤيدة للمدنيين.
وراهن البرهان على الوقت في مواجهة مدنيين في السجن أو في الإقامة الجبرية، وتمكن من التوصل الى «اتفاق يساعد على نسيان وقوع الانقلاب ويتيح للجيش أن يسترد أنفاسه»، وفق تحليل الخبيرة في الشؤون السودانية في مركز «إنسايت ستراتيجي بارتنرز» خلود خير.
ويوحي الاتفاق الاخير أن البرهان استجاب لكل مطالب المجتمع الدولي، ما يمكنه من استعادة الدعم الذي كان مهددا بفقدانه. وشددت تلك المطالب على إعادة حمدوك الى منصبه، والإفراج عن القادة المحتجزين مع وعد بأن تكون هناك قريبا حكومة مدنية.
بالإضافة الى ذلك، تمكن العسكريون الذين كانوا قبل الانقلاب يصطدمون برئيس وزراء يرفض الخضوع لهم، اليوم من تحويله هدفا للاحتجاجات الشعبية بدوره. فأصبحت الهتافات في الشوارع تنال من حمدوك وليس من البرهان فقط.
وتضيف خير «سيفقد (حمدوك) قريبا كل مصداقيته وسيكون معزولا أكثر»، وذلك بعد استبعاد قوى الحرية والتغيير من مجلس السيادة ومحو اسمهم من الوثيقة الدستورية التي وضعت بعد الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير والتي وضعت أسس المرحلة الانتقالية والشركة بين المدنيين والعسكر في العام 2019.
وتؤكد خير أن «الحكومة الجديدة ستكون تحت رحمة الجيش تماما وتحت التهديد اليومي بانقلاب جديد».
ويعتقد الجيزولي من جهته أن حمدوك «سيكون ما يريد له الجيش أن يكونه، لأنه أيا كانت العقبات التي سيواجهها، لن يستطيع الاعتماد على قاعدة شعبية أو رافعة سياسية كما كانت الحال من قبل».
أما بالنسبة للقادة المدنيين الآخرين «فأولئك الذين لا يريدهم الجيش سيلاحقون بالتأكيد في قضايا جنائية»، وهو ما ألمح اليه البرهان منذ اليوم الأول، بحسب الجيزولي.
وفضلا عن التخلص من المعارضة السياسية داخل مؤسسات الحكم التي أعاد تشكليها، استطاع البرهان أن يمحو من ترتيبات المرحلة الانتقالية المداورة في رئاسة مجلس السيادة.
ولم يعد واردا أن يسلم العسكر رئاسة المجلس الى المدنيين، وهو ما كان يفترض أن يتم في 17 الجاري، وهي خطوة استبقها الانقلاب بثلاثة أسابيع.
ويشير الجيزولي الى أن البرهان «سيبقى على رأس مجلس السيادة حتى الانتخابات» عام 2023.
ولم يعد من عقبة أمامه إلا الشارع الذي ما زال يطالبه بـ «الرحيل»، علما أن تظاهرات الأسابيع الماضية لم تكن تركز، وفق خلود خير، على عودة حمدوك، إنما على «انسحاب الجيش من السياسة».
وإذا كان «الشهر الذي انقضى أثبت فاعلية تضافر الضغوط الدولية والداخلية»، فإن «الوضع تغير الآن».
وتخلص خير الى أن «الشكوك الأساسية في الشارع بصدقية هذه الضغوط ستزداد، وكذلك عدم الاستقرار في السودان».