لا يوجد إنسان يخلو من حب الذات والسعي لمصلحته الشخصية، المجتمعات المتطورة عرفت قبل البدء برحلة التطور آلية تكييف هذه المصلحة الفردية، ودمجها مع المصلحة العليا للمجتمع، فأصبح كل فرد يبني مبناه الخاص، وتقوم الإدارة المسؤولة في المجتمع على ربط هذه المباني ببعضها، والمحافظة على استمرارها حتى يخرج صرح تطوري جميل، أما المجتمعات «غير المتطورة» فتجد أن بعض أفرادها الذين يسعون لمصلحتهم الشخصية، يبنون بناء جميلا بمجهود فردي، لكنه بناء غير مرتبط مع غيره، فمهما كان جماله بقي صغيرا ومتواضعا لعدم ترابطه مع غيره، وسيزول هذا البناء مع زوال صاحبه، أو ينتقل صاحب البناء إلى مجتمعات متطورة، حتى يترابط بناؤه مع بناء غيره ويصبح جزءا منهم.
مشكلة الكويت، وهو ما ينطبق على العالم العربي عموما عدم وجود هذا الترابط، فتجد إنسانا يبدع في مجال الفلك مثلا، بمجهود شخصي من دون أي دعم اجتماعي أو حكومي، ورغم إبداعه هذا، لا يجد مكانا يفرغه فيه، وإن وجد فلا يستطيع الوصول إليه بسبب المحسوبية والواسطة، فالمبدعون عادة تكون علاقاتهم الاجتماعية محدودة، لا توصلهم للانتساب للأماكن المناسبة لهم، ومع عدم وجود الجهة التي تحتويه، لا يجد أشخاصا يورثهم هذا الإبداع، فيصبح بناؤه عشوائيا في صحراء قاحلة لا فائدة منه، أو ذا فائدة محدودة ضيقة.
بناء هذا الترابط بحد ذاته أمر سهل، لكن الصعوبة تكمن في جعل المسؤولين قبل المواطنين يؤمنون به، فالباحث في تاريخ تطور المجتمعات يجد أن الشرارة الأولى للتقدم تبدأ من إيمان المجتمع الفعلي به، والإيمان لا يكون فقط بتصديق الفكرة، إنما العمل فيها والسعي الى تحقيقها على أرض الواقع، ويتكون هذا الإيمان من خلال التجارب والخبرات التي تمر فيها المجتمعات، فنرى كثيرا من الدول مثل الكويت لديها كل مقومات التطور، كالمال والخبرات البشرية والاستقرار الأمني والاقتصادي، ولكن عدم وجود الإيمان بفكرة التطور هو الشيء الوحيد المانع بينها وبينه، ونجد مجتمعات ليس لديها مقومات التطور مثل اليابان وكوريا وسنغافورة، استطاعت أن تصل عن طريق الإيمان بهذه الفكرة.
الحكومات المتعاقبة التي مرت على الكويت واضح جدا أنها كانت تفتقر الى هذا الإيمان، وكان أغلب عملها قائما على سد الفراغات، والمبادرة كانت شحيحة، فإن كانت حكومة سمو الشيخ صباح الخالد القادمة لديها فعلا رغبة في التطور، فلا بد أن يختار سموه من تتوافر فيهم هذه الخصلة حتى يقوموا هم بدورهم بغرسها في المجتمع، أما الاختيار على أساس المحاصصة والمحسوبية فلن تكون إلا كسابقاتها.