كنت أتحدث وصديق لي على جانب كبير من الفهم والدراية فتطرق أثناء الحديث إلى أمر غاية في الأهمية، وهو كثرة من يتحدث في الأمور السياسية صغيرها وكبيرها وفي كل مكان، يتحدثون أثناء العمل وفي الديوانيات وفي المتنزهات وحتى من ينتظر دوره عند الطبيب، تراه يحدث من بجواره سياسة، لقد صرنا ننام على السياسة ونستيقظ عليها، وهذا أمر يثير الدهشة.
ومن ضمن ما قال لي هذا المخضرم: إن السياسة كمفهوم تعني القيام على الشيء بما يصلحه، وهي أيضا فن لا يعرفه إلا الذي أجاده وتمرس فيه، ولكن يبدو أن السياسة أصبحت مغرية جدا عند كثير من الناس وخاصة الذين لا يعرفون ألفها من بائها، ولا يفكون الخط بها، وهذا الأمر بات ملاحظا ولافتا للانتباه، وهو أمر لم نتعود عليه في بلدنا الصغير، فالكل يتدخل في السياسة صغيرها وكبيرها، ولو كان الأمر مقتصرا على الحديث بها لسكتنا على مضض، ولكن الملاحظ أنه لا يحلو الحديث بها إلا إذا شيب بالتذمر والسخط الشديد من الأوضاع السيئة في الكويت، ولا أدري أي أوضاع سيئة يعنونها وكأننا في دولة فقيرة من دول أفريقيا، أو عندنا تكميم أفواه!
وهذا بالفعل ما يسمى بالحرية الماسخة بعينها، والديموقراطية الجوفاء وهو ناتج عن الفراغ الكبير، والمضحك في هذه الظاهرة حقا ان معظم من يتحدث بالسياسة أشخاص عاديون لا يملكون مؤهلات، بل هم من عامة الناس، فلا أدري هل السياسة عندهم أفضل من غيرها، أم أنهم يريدون لفت الأنظار أم أن مساحة الحرية عندنا أصبحت ليس لها سقف؟ نحن نعلم أنه لا يستطيع احد مصادرة الحريات الفكرية والتوجهات والانتماءات، ولكن بات تلاميذ المدارس يتحدثون بها، ويتغنون بها بعد أن كانوا يتغنون بنشيدنا الوطني، وحب الكويت والولاء لها.
إن السياسة لها ساسة وهي بحر عميق متلاطم الأمواج، تحتاج إلى منطق ودراية وقدرة على أحكام سياسية سليمة ومعرفة تامة بما وراء الأكمة، وما نسمعه ونشاهده لا علاقة له بهذه الأمور، والحق أن هذه الشريحة من الناس وهي عريضة منساقة وراء العاطفة ولا تعرف شيئا عن الحقائق المنطقية لعدم إدراكها لها، والكارثة إذا خلطت السياسة بالدين وسخر الدين لخدمة السياسة، وهذه قاصمة الظهر لأن ضررها بالغ.
هذا ما قاله لي صاحبي، ومن هنا أقول إن السياسة لها أهلها العارفون بها، مثل غيرها من الفنون، فليس كل من تحدث بها فاهما بجوانبها، والسؤال المستحق كيف لنا أن نقتنع بأن كل هذا الكم الهائل من الناس أصبح سياسيا، ويفهم مداخلها ومخارجها؟ كما أن هناك أمرا لا بد من الإشارة إليه والتنبيه له وهو أمر خطير للغاية، لقد بتنا نرى وبالعين المجردة ضعف الانتماء والحس الوطني حتى عند طلبة المدارس، وعوضت الوطنية بالتغني بالقبلية والحزبية على حساب الوطن، ولا أعرف ما تخبئه لنا الأيام القادمة، حفظ الله هذه الأرض وأهلها من كل سوء.