الإنسان من حيث مكوناته النفسية والبيولوجية ثابت لا يتغير بتغير الزمن، والأخلاق منذ القدم وليست حديثة الوجود، وتحسنها غير مرهون بتقدم الزمن بقدر ما أنه مرتبط بنضج الإنسان وزيادة وعيه وتمسكه بدينه.
والإنسان من حيث مكوناته الاجتماعية والثقافية يختلف باختلاف الزمن واختلاف المكتسبات التي حصل عليها عبر مراحل تنشئته الاجتماعية، والتراكمات المعرفية الناتجة عن التجارب والاكتشافات البشرية جيلا بعد جيل، والتدافع الحضاري بين الأمم والشعوب بالإضافة لظاهرة التقليد.
التطور التكنولوجي ساهم بشكل كبير ولافت بتوسيع الفجوة بين الأجيال، خاصة مع انجذاب الجيل الجديد لهذه الثورة التكنولوجية وعلى كل شيء جديد حتى وإن كان لا يتمتع بالصلاحية ولا الجودة غير مهم، المهم أنه جديد، فالبعض يتبع المجاميع مع غياب العقل والوعي، والبعض يرى فيها تميزه واستقلاليته والتقليل من شأن ما هو قديم، وهنا أصبح لهذه الثورة التكنولوجية تأثير مباشر على ثقافة المجتمعات وسلوكياته.
فنجد حالة من الانفلات في مجتمعاتنا الإنسانية، وحالة من الانقسام التي أصبحنا عليها في كل شيء ولا يوجد شيء نتفق عليه الآن، نوعية البشر تغيرت، وفقد الكثير من ثوابته القديمة في الرحمة والانتماء والتآلف وأصبح أكثر أنانية في كل شيء، فانهارت علاقات اجتماعية عاشت عليها أجيال متعاقبة، وانتشرت المخدرات والجرائم وأعمال العنف والقتل، حالة من الفوضى والارتباك في واقعنا الاجتماعي والإنساني وأصبح الكل عايش في جزيرته الخاصة فتقطعت أشياء جميلة كانت تعطي للحياة قدرا كبيرا من الجمال والرحمة، خاصة إذا غابت مشاعر الألفة والرحمة، وسيطرت الأنانية على سلوكيات الناس وحياتهم.
غابت الثقافة رغم أنها ضرورة للبناء الاجتماعي لتغير المسارات الاجتماعية نحو الأفضل وتدوير العمليات الفكرية للمجتمع بطريقة إيجابية، خاصة في زمن العولمة والانفتاح على الآخر وتشكيل ثقافتنا والأنشطة الفكرية التي يمارسها المجتمع.
العولمة إن لم نستطع استقبالها بطريقتنا الخاصة ووفق إمكاناتنا الثقافية والفكرية ووعي أفراد المجتمع فهي ستحل علينا بطريقتها وبأسلوبها الذي تراه هي وليس ما نراه، وهنا مكمن الخطر وسط تغافل المثقفين ومسؤولي الثقافة، لأنها ستعيد تعريف الكثير من قضايانا الفكرية والاجتماعية بطرق أكبر من قدرتنا على التخلص منها، وإنتاج أفكار مختلفة غريبة ستجد لها مكانا في المجتمع وبين أفراده ولن تكون لدينا القدرة على منع أو حتى التخفيف من ذلك التيار الجارف للعولمة الذي يتدفق عبر الفضاء ولا يمشي على الأرض.
ليس أمامنا خيار ولا يمكننا إغلاق الفضاء بأفكار تقليدية، فالكثير من مقومات الحياة الثقافية والاجتماعية يجب أن تتعرض للتطوير، وحان الوقت لإزالة جميع الحواجز من طرق التطوير الثقافي، حتى يتحقق الوعي الاجتماعي.
أصبح التنمر والمتنمرون ظاهرة منتشرة في مجتمعنا لا يستثنى منها أحد بشكل مباشر أو غير مباشر، ينتشرون في كل مكان، حتى في الفضاء الإلكتروني، بل إن هذه الأفعال الإجرامية أصبحت أسلوبا شائعا للإهانة والسخرية والاستهزاء، والتصدي للتنمر يحتاج إلى معالجة فكرية وثقافية، مع المواجهة القانونية الرادعة.
«الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية» نردد هذه المقولة دون إعمال لها ويتحول الاختلاف في الرأي إلى حرب، ثقافة احترام الاختلاف لكي تنمو تحتاج إلى من يغرسها داخل الأسرة والمدرسة وعلاقاتنا لأنه تصل بنا إلى التكامل وليست مجالا للصراع، بل مجال لاكتساب الخبرات وتفتّح العقل وازدهار الشخصية، وبناء الأوطان لا هدمها.
أن يكون هذا الزمن متطورا ماديا في التقنية والتكنولوجيا والصناعة لا يعني أنه كذلك في الأخلاق والقيم والإنسانية، وهذا التباين الحاصل مؤشر واضح على وجود خلل في تركيبة الإنسان المعاصر في عالم الحداثة، بل هو دليل قاطع على حالة الانحدار السريع نحو تلاشي القيم الأخلاقية وضمور الحس الإنساني.
٭ عز الكلام: نحن بحاجة إلى صحوة لتعيد للحياة أجمل ما كان فيها من الصدق والمروءة والمحبة والجمال والفن والإبداع، وأصدق ما فينا الرحمة والألفة.
[email protected]
Nesaimallewan