لطالما كانت الصلاحيات في العمل منبع قوة، وعنصرا مهما من عناصر التنظيم، لضبط العمل وتحديد الأدوار والمسؤوليات المختلفة، بما يضمن سير عمل المؤسسة على أفضل صورة ممكنة، لكن وفي ذات الوقت، فإن الصراع حول امتلاك الصلاحيات قد يكون بؤرة للنزاعات والخلافات.
لا جدال أن تدوين الصلاحيات وجعلها مكتوبة أمر في غاية الأهمية، لكن ذلك لا يعني أن تصبح الصلاحيات مقدسة، سواء من ذلك الذي سحبت منه، أو من الآخر الذي سحبها، فهناك متغيرات أخرى تحكم مسيرة الصلاحيات لا بد أن يستحضرها الطرفان لمصلحة المؤسسة، ومن الخطأ أن يتم التعامل معها دائما بحساسية وجعلها مدعاة للخلاف، بل إن من الذكاء والحكمة حفظ كرامة من سحبت الصلاحيات منه وتبرير قرار السحب أمام الآخرين.
في أحد المشاريع التي شاركت فيها، كان أكثر حديث أكاديمي مختص بالعمل الإداري، عن الصلاحيات ومصفوفة اتخاذ القرار، وبطريقة حرفية جعلت من المحال استمرار العمل معه ضمن فريق، فكان لا بد من معالجة هذا النمط من الموظفين بأحد أمرين، إما أن يكون دوره تنفيذيا بحتا، أو أن يكون قائدا بكامل صلاحياته، وهو ما لا يمكن تحقيقه لكل المشاريع والأعمال بحصر صور العمل بهاتين الصورتين فقط!
لا يعني التنازل عن الصلاحيات تنازلا عن القيم ولا المبادئ، بل تعامل حكيم في حدود ما تسمح به الأخلاقيات والمنطق والعرف، وإنكار للأنا والروح الفردية والتمركز حول الذات، في سبيل ما يخدم المصلحة العامة للمؤسسة ويضمن استمرارية عملها.
ولعل من أكبر المفارقات أن عددا لا يستهان به من الموظفين والقياديين يتصارعون على الصلاحيات، ويتسابقون إلى انتزاعها من بعضهم بعضا، بوسائل قد تكون لا أخلاقية، تدفعهم مقولة باتت مسلمة عند البعض بأن «الصلاحيات تنتزع ولا تمنح»، وتجدهم على النقيض من ذلك عند وقوع كارثة أو تقصير ما، فتراهم يهرولون هربا من الاعتراف بالخطأ والتنصل من المسؤولية بعد أن تصارعوا على الصلاحيات!
من جهة أخرى، فإن امتلاك الصلاحيات ينبني عليه تحمل المسؤوليات، وحين تنعدم الصلاحيات أو تسحب معظمها فإن المنصب يغدو ديكورا فارغا لا معنى له، ومن المشاهد أن انتزاع الصلاحيات بطريقة تجعل صاحب القرار ضعيفا، خاصة في أعمال أساسية وسيادية، قد تكون له عواقب كارثية على المجتمع، خلافا لسحب الصلاحيات في أمور بسيطة تحتمل الخلاف، وعلى سبيل المثال، كيف يمكن لقائد منظمة أو وزارة أو حكومة أن يكون مسؤولا وأن يحاسب على أخطاء اقترفها فريقه، تم فرضهم عليه بقرار ممن هو أعلى منه لاعتبارات لا علاقة لها بالكفاءة والخبرة، وإنما تلبية لجهات دولية أو توازنات عشائرية وقبلية!، فاستقوى هؤلاء بمن فرضهم، وباتوا يتصرفون بطفولية وأداء ضعيف يحاسب عليه الرئيس وحده!
[email protected]