عشت وكبرت في زمن التشابه، زمن التشارك، زمن المحبة، ولدت فيما يسمى هذه الأيام بالزمن الجميل، وعشت كل التفاصيل الدينية والاجتماعية، لم نكن نميز بين المذاهب ولا الطوائف ولا الأديان ولم نسمع بها، كانت لكل منا أعياده، وعاداته لم نكن نشعر بأي فرق في الحياة العامة المجتمعية، بل كنا نشعر بأننا كتلة مجتمعية واحدة، في إطار ثقافة ولغة واحدة، يا ليت الزمن يرجع للخلف بعيدا عن زمن الجنون الذي نعيشه، زمن الاختلاف، زمن التباعد، زمن الأحقاد.
ليتنا نعيش مع بعضنا البعض بالحب، وأقصد «الحب العملي» لا نحب باللسان ولا بالكلام، بل بالفعل لأن كثيرين قد يتحدثون عن الحب، وأعمالهم تكذبهم، هؤلاء الذين يعبدون الله بشفاههم أما قلوبهم فبعيدة عن الله كل البعد.
والمحبة هي فضيلة الفضائل وأقواها، لذلك ينبغي أن نعالج كل أمر بالحب، يكون الحب دافعنا، ويكون الحب وسيلتنا، ويكون الحب غايتنا.
كل إنسان عليه أن يتعلم الحب أولا، قبل أن يخدم الناس أو يخاطبهم، فالناس يحتاجون إلى قلب واسع، يحس إحساسهم، ويشعر بهم ويتألم لآلامهم، ويفرح لأفراحهم، عليه أن يحب الكل.
إن القلب الضيق هو الذي يحب محبته فقط، أما القلب الواسع فيحب الجميع حتى أعداءه فما بالك إخوته في الإنسانية الآخر المختلف عنه ولا يضيق بأحد، فمحبة الآخر هي من كمال الإيمان.
النهر الذي يعطي ماءه للكل بلا تمييز، والوردة كيف تعطي عبيرها لكل من يعبر بها، يتمتع برائحتها حتى الذي يقطفها، ويفركها بين يديه، تظل تمنحه عطرها حتى آخر لحظة من حياتها، دروس نتعلمها من الطبيعة وما أكثرها.
فلنحب الناس جميعا، لأن القلب الخالي من الحب، هو قلب لا يسكنه الله، وإن لم نستطع أن نحب فعلى الأقل لا نكره أحدا، فالقلب الذي توجد فيه الكراهية والحقد هو مسكن للشيطان.
تربطنا بالله علاقة الحب، لا علاقة الخوف، الدين ليس ممارسات ولا شكليات، ولكنه حب وعلى قدر ما في قلب الإنسان من حب لله وحب للناس وحب للخير هكذا يكون جزاؤه.
الله محبة والناس بعيدون عن المحبة في زمن سادت فيه الأفكار والسلوكيات المتشددة بين البعض وتغيير الواقع ويظنون أننا نعيش في جاهلية، زمن غابت فيه القيم النبيلة كالتسامح والصفاء والإخاء والمحبة، مطلوب أن نشيع مفهوم الفردية في السلوك التديني، بمعنى أن يصبح التدين سلوكا فرديا، ليس لأحد إجبار آخر على الإيمان بأفكاره ويظن أنه الطريق الصحيح، فالطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق.
التسامح والحرية ركنان أساسيان من أركان الحياة لا غنى عنهما لأي مجتمع وينظم سلوك أفرادها، لقد ظل التسامح على مر التاريخ يمثل ركيزة أساسية من ركائز التعايش السلمي الذي ينشده كل مجتمع، وأي مجتمع لا يتمتع أفراده برصيد معتبر من التسامح هو شعب يحتاج الى وقفة مراجعة، فانعدام عنصر التسامح في ثقافة الشعوب يعني غياب ركيزة تعرف بالمحبة، والتي تعتبر ضرورة من ضرورات التعايش السلمي.
إننا نحتاج في هذا اللحظة لأن نعلم جيدا أن المحبة والتسامح يمثلان شريان الحياة ومصدران للراحة النفسية والطمأنينة والسعادة.
لذلك أعتقد أنه ينبغي أن تدرج كمادة أساسية في المقررات التربوية التعليمية، حتى ترتقي النفوس والعقول وتصفو عن التعصب والفقر الروحي الذي نحياه في عصرنا هذا من أجل ضمان تعايش حقيقي منظم في المستقبل للأجيال القادمة، لأن أي حياة لا توجد فيها ثقافة المحبة والتسامح ينتشر فيها التباغض والشقاء بدل الألفة والمحبة.
الله محبة والتسامح محبة والنور داخل قلب كل إنسان محبة.
ولولا المحبة ما أصبح الإنسان إنساناً.
عز الكلام: يقول الشاعر إليا أبو ماضي:
أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا
لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
[email protected]
Nesaimallewan