موضوع اليوم يتبع موضوع الأسبوع الماضي لما له من الأهمية والخطورة على هوية أبناء اليوم، فقد لوحظ في الآونة الأخيرة حرص الآباء والأمهات على التحدث مع أبنائهم باللغة الإنجليزية، بل عند بعضهم أصبحت اللغة الأم بعيدا عن اللغة العربية، فيعتقدون أن هذا الأسلوب التربوي من الرقي وهو أسلوب مواكب لحركة التمدن دون أدنى وعي بعواقب ذلك السلوك، فمن حق الطفل أن يتحدث بلغته الأم، فاللغة تلعب دورا كبيرا في بلورة كيان الطفل بما يتماشى مع بيئته الاجتماعية واحتياجاته النفسية، وكل ذلك يرجع لعامل مهم جدا ألا وهو أن الإنسان في هذا الكون عصب التفاعل، والتفاعل من أعقد العمليات، حيث تحكمه عمليات حيوية، وتاريخ عرقي طويل، وجينات وراثية تلقاء أثره، فلا يجدر الانتماء لغير اللغة الأم، حتى ينشأ الطفل النشأة الصحية السليمة.
ان ازدواجية اللغة لها من الخطورة على نفسية الطفل وعلى المجتمع الذي يعيش فيه، والخطورة تكمن من نواح عدة، أهمها:
- يقول أحد الحكماء، الرطانة تورث الخبالا، والخبالا مذكورة في القرآن الكريم في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) «آل عمران: 118»، وفي قوله تعالى: (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين) «التوبة: 74»، والخبالا هي فساد الفكر والعقل فيورث الطفل اضطرابا يشبه الجنون، فتختلط عليه الأمور فلا يعرف التفرقة بين الصح والخطأ فتندثر الأصوليات عنده، ويأتي الأهل مبررين سلوكيات أبنائهم أنهم «تربية أجانب»، قال رسول صلى الله عليه وسلم «من كان يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فإنه يورث النفاق»، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال «لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم: فإن السخطة تنزل عليهم».
- قالوا زمان «لو أردت أن تقتل شعبا ما، فعليك أولا أن تقتل لغته»، اللغة العربية هي أصل اللغات وهي لغة القرآن الكريم فإن افتقر الطفل لتعلم اللغة العربية فقد افتقر للقيم الأخلاقيات لأن مصدرها القرآن الكريم وعليه مات الدين في قلبه، فعندما سألت عائشة رضي الله عنها كيف كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم، أجابت: كان خلقة القرآن.
بالإضافة إلى أن اللغة العربية لها 16 ألف جذر لغوي وتحتوي على 12 مليون كلمة ونصف بالمقارنة مع باقي اللغات لغناها بالمفردات اللغوية والاشتقاقات، وهي أكثر اللغات بلاغة، حيث إن حركة واحدة أو إضافة أو حذف حرف واحد كفيل بتغيير المعنى كله، إلى جانب أن ترجمة كلمة واحدة عربية تحتاج إلى عدة كلمات أجنبية حتى توصل إلى معناها، وهناك الكثير من الإيجابيات، فكيف يحرم الطفل منها؟!
- كما أن ازدواجية اللغة تؤثر على ثقافة الطفل ومردوده المعرفي، وتؤثر على عمل خلايا دماغه من حيث التنظيم المعرفي في الاستقبال والإرسال، لذلك الرطانة تورث الخبالا، أي اضطرابات التفكير المنطقي وضياع الهوية واندثار المعارف اللغوية لبيئة الطفل والكثير من الاضطرابات التي خلفت شخصيات هزيلة في المجتمع.
فمن يقرأ مقالي ولديه طفل مهزوم تربويا فليهرع إلى تعليمه اللغة العربية وتحفيظه القرآن الكريم، فإذا كان الكثير من أولياء الأمور اليوم يعانون من اندثار مفردات اللهجة الكويتية الأصيلة، فما بال الجيل الصغير الذي قتلت لغته بالكامل؟!
LinesTitle@