إن «Blue Bayou» فيلم مؤثر ومتبصر حول رجل يبحث عن المكان الذي ينتمي إليه، ويمثل كشفا مؤلما عن نظام الهجرة الفاسد من النواحي التي لا يتم تسليط الضوء عليها كثيرا، ويمنحنا إضفاء طابع شخصي على المشكلة من خلال حياة «أنطونيو» الهادئة والمعقدة، نظرة أكثر تأثيرا حول مشكلة قد لا يعرفها الكثيرون أو يتجاهلونها، وفي حين أن النهاية قاسية جدا لدرجة أنك قد لا ترغب في إعادة مشاهدة الفيلم مرة أخرى يوما ما، إلا أنه لا بأس في ذلك، لأن المخرج، المؤلف، والبطل جاستن تشون يترك تأثيرا لا يمحى مع فيلمه بغض النظر عن ذلك.
غالبا ما تكون قصص الهجرة التي نراها في الأفلام عاطفية ومؤثرة، حتى لو وصل الشخص إلى بلده الجديد بسهولة نسبية ومن دون صدمات عاطفية، فهناك دائما القضايا المؤثرة حول التأقلم والانتماء، لكن «Blue Bayou» يضفي طابعا شخصيا مميزا على مسألة نظام الهجرة الفاسد الذي لا يتم الحديث عنه مثل غيره، ويكشف عن المحنة التي تؤثر على الأطفال الذين تم تبنيهم من دول أجنبية، وتم إحضارهم إلى أميركا، ثم لم يتم تجنيسهم أبدا من قبل أولياء أمورهم أو آبائهم بالتبني، ونظرا لأنهم عرضة للترحيل لعدد لا يحصى من الأسباب، تتم إعادة العديد منهم بشكل دائم إلى بلدان لا يتذكرونها حتى.
يسلط المؤلف والمخرج جاستن تشون الضوء على هذه المسألة تحديدا من خلال أنطونيو ليبلانك (يلعب دوره المخرج تشون نفسه)، وهو أميركي- كوري يعيش في لويزيانا، ومتزوج من كاثي (أليشا فيكاندر)، ويعيش معها بسعادة وشغوف جدا بها، كما أنها حامل، ويكون زوج أم محبا لابنتها الصغيرة جيسي (سيدني كوالسكي). يضع «أنطونيو» الأوشام ويقود الدراجة النارية، وهو أب مرح يلعب الهوكي مع «جيسي» ويعمل في صالون للوشم، لكنه لا يستطيع أن يلتقط أنفاسه، حيث إن لديه قضيتين بارزتين في سجله على جرائم سابقة تمنعه من الحصول على وظيفة أفضل مع مزايا أكبر، لذا فهو متأخر عن دفع فواتيره المتراكمة، بالإضافة إلى والدة زوجته التي تكرهه بشدة. الأسوأ من ذلك هو زوج «كاثي» السابق أيس (مارك أوبراين)، والذي يعمل شرطيا من نيو أورلينز والذي تخلى عنها وعن «جيسي»، ولكنه يريد استعادتهما الآن ويشعر بالاستياء من أن «أنطونيو» الذي أخذ مكانه، هذه المشاعر السيئة هي ما تؤدي إلى دوامة كارثية من الأحداث بالنسبة لـ«أنطونيو»، حيث يتم استفزازه للقتال ما يؤدي إلى اعتقاله، ثم القبض عليه من قبل إدارة الهجرة والجمارك لعدم تجنيسه، فيشعر «أنطونيو» بالصدمة مثل أي شخص آخر، ما يضطره هو و«كاثي» للسعي والعثور على المال اللازم لدفع أتعاب محام ليترافع في قضية بقائه.
وبينما تتراكم المشاكل على «أنطونيو» من دون توقف، يلتقط إخراج تشون اللحظات الحميمة لهذه العائلة الصغيرة، وهذه النافذة إلى عالمهم المرتبط بهم هي ما يمنع الفيلم من الانغماس في الميلودراما، فنشعر بصدق بالجروح العاطفية التي تركت دون حل، ويكشف لنا بدقة من حياة «أنطونيو» منذ الصغر التي لاحقته إلى مرحلة البلوغ.
سمح لنا الفيلم باختبار اللحظات المؤلمة التي ظل «أنطونيو» يخفيها منذ فترة طويلة عن نفسه وعن زوجته وكيفية تعامله مع الصدمة التي ألحقها بها «الأهالي» الرهيبين كطفل بالتبني، وكفتى في دور الرعاية، وبسبب حالته الملحة هذه للعثور على المال وتعزيز قضيته للهجرة، يشكل صداقة عرضية مع باركر (لينه دان فام)، وهي مهاجرة فيتنامية تحتضر بسبب السرطان، وتأتي إلى «أنطونيو» لوضع وشم. تنجح فام في إضفاء التعاطف على شخصية «باركر» ما يمهد الطريق أمام «أنطونيو» لفهم تراثه وإثارة فضوله تجاه جذوره الخاصة التي لم يغرسها فيه أحد من قبل، ويقدم الفيلم هذه المواضيع مثل شريان الحياة المطلوب الذي يظهر تماما عندما تكون مواقف كلتا الشخصيتان في وضع جدي وحرج.
إن أداء بقية طاقم الممثلين الرئيسي مثير للإعجاب بنفس القدر، ويبدو «أنطونيو»، الذي يؤديه تشون، كرجل أصيل من المنطقة، لكنه ليس كذلك، وهو يعرف ذلك لأنه يواصل التعامل مع اختلافه من الطفولة ووصولا إلى الرجولة، لكنه بالرغم من أخطائه اكتسب المحبة والتعاطف من عائلته الجديدة المؤلفة من «كاثي» و«جيسي»، وتقدم كلتا الممثلتين أداء هادئا وصادقا، خاصة الشابة كوالسكي، التي تأخذنا في رحلة من المحبة الأبوية إلى الحزن الذي يتوج بمشهد مؤلم للغاية لدرجة أن أعين المشاهدين تدمع.