إن فيلم «The Green Knight» مذهل بحق، فهو يتحدى المعايير القياسية للأفلام المبنية على أسطورة الملك آرثر، ويفضل الأجواء المحيطية والمزاجية على الأكشن والمونولوجات، وفيه يمتزج الأداء المميز للممثلين مع أسلوب المخرج ديفيد لاوري الفخم لينجم عن ذلك فيلم مثير يركز على التجربة أكثر من القصة الأصلية، فلو تمكنا من الغوص في هذا العالم وفهم تلك الرحلة، فسنجد أنها مجزية، فما أن نعيش أجواء الفيلم، سيأخذنا في رحلة تجعل نبضات القلب تتسارع، ورأسنا يدور، وتترك خلفها تأثيرا قويا.
يضع ديف باتيل لمسة جديدة على شخصية «غواين» الذي بسبب تعطشه لأمجاد الفروسية، يقبل بتحدي في ليلة عيد الميلاد لمواجهة الفارس الأخضر، فيقطع رأسه بضربة واحدة، ويبدأ الرعب عندما يرفع الفارس الأخضر رأسه المقطوع ويمتطي حصانه مبتعدا وهو يطلق وعيدا بلقائه مرة أخرى بعد عام، ويظهر إبداع سيناريو «لوري» جلياً هنا، حيث يمضي بعض الوقت خلال هذه السنة الفاصلة وهو يؤسس أن ذاك الفعل الشجاع الواحد لم يجعل «غواين» بطلا، ويركز بدلا من ذلك على الرحلة الشاقة التي بدأها والتي لا يمكن التنبؤ بها، ويقود البطل المتهور عبر ساحات المعارك المروعة والغابات التي يلفها الضباب ليواجه بطريقه اللصوص الذين ينصبون الكمائن، وروحا حزينة، وعمالقة يصدحون، وثنائيا معقدا في قلعة غريبة.
يمتاز كل موقع بجمال غريب خاص به، وتتناقض لوحة الألوان من الذهبي والأخضر والرمادي مع المستنقع المليء بالطحالب مقابل عباءة بطلنا الساطعة الألوان والمناظر الطبيعية الباهتة، وتتحدى درجات اللون الدافئة لعباءة «باتيل» الذهبية درجات اللون الباردة للفارس الأخضر، والذي تتكون بشرته من خشب محفور وتعلوه لحية من الجذور الصلبة، فتعكس هذه القصة المعركة والعلاقة التي لا مفر منها بين الحياة والموت، ثم يندلع اللون الأحمر في كل مكان، متمردا ومشؤوما عبر بركة من الدماء المسفوكة حديثا، وسطوعا عنيفا من الضوء ليكون بمنزلة تحذير، وثعلب أحمر رشيق يصبح صديق «غواين».
المصور السينمائي أندرو دروز باليرم، والذي عمل سابقا مع لاوري في «A Ghost Story»، لا يوازن بين هذه الألوان مع لمسة مذهلة من الأناقة فحسب، بل يخلق أيضا نسيجا ملموسا لدرجة تشعر بأنك تستطيع تمرير أصابعك على الشاشة والشعور بحلقات الدرع المعدنية ولحاء الشجرة وفرو الثعلب، وحتى جذع «باتيل» المتعرق.
كل ذلك لا يبدو جميلا فقط، بل أيضا شديد الأهمية، والذي يمنحنا شيئا نتمسك به أثناء كشفنا لقصة الفيلم، ويستمتع لاوري بالغموض، حيث غالبا ما تكون شخصياته انطباعية وتعتمد على التعابير أكثر من القصة الخلفية. ويحذو «The Green Knight» حذوه، فيرسم الشخصيات من خلال لحظات قصيرة شديدة الأهمية، ويتضمن طاقم الممثلين المذهل أليشا فيكاندر وشون هاريس وجويل إيدغرتون وكايت ديكي وباري كيوغان وإيرن كيليمان، الذين يطلقون العنان للحب والحقد والعذاب والشهوة، ما يحول كل مشهد إلى حدث مثير للتوتر ورائع في آن واحد، ومع ذلك، فإن أداء «باتيل» وحده يجعل الفيلم شيئا لا يجب أن نفوته، حيث إن بنيته الجسدية القوية، وشخصيته الفوضوية، وعينيه الحالمتين، كل ذلك يقول الكثير، وهو يخلق صورة آسرة ومعقدة لرجل يكتشف أخطاءه وقيمته.