ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرا خطابا مدويا حول الديموقراطية وجه خلاله أصابع الاتهام إلى سلفه دونالد ترامب، على أمل تحفيز المعسكر الديموقراطي وإنعاش ولايته الرئاسية التي تمر بوضع سيئ، إلا أنه يجازف سياسيا إلى حد بعيد في حال تبين أن وعوده فارغة.
وأدلى الرئيس الديموقراطي البالغ 79 عاما في 6 الجاري بالخطاب الأقوى حتى اليوم على الأرجح، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لهجوم أنصار الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب على الكابيتول.
وتحول بايدن الذي يبدو عادة طيبا وواقعيا، إلى رئيس أكثر صرامة وقد تخلى عن النكات وتعابير اللغة العامية ليستخدم مصطلحات رسمية.
وقال بايدن «لم أسع لخوض هذه المعركة» ضد العنف السياسي والمحاولات الاستبدادية، لكن «لن أتراجع».
«الضرب بقوة»
للمرة الأولى منذ تنصيبه رئيسا، شن بايدن هجوما مباشرا على ترامب من دون تسميته، إنما استخدم عبارة «الرئيس السابق الخاسر» لاتهامه بأنه «طعن الديموقراطية» بتصريحاته التي لا أساس لها بشأن «تزوير» الانتخابات الأخيرة.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة هاملين في ولاية مينيسوتا ديڤيد شولتس أن بايدن «كان في وضع صعب للغاية. فإما ألا يقول شيئا وأن يجد نفسه في موقف دفاعي، أو أن يضرب بقوة» لحشد معسكره عبر تحفيز خصومه يضا.
دونالد ترامب وعلى غرار شخصيات رئيسية أخرى في المعسكر الجمهوري، انتقد بشدة الرئيس واتهمه بـ«استغلال» أحداث السادس من يناير 2021.
غير أن الرئيس الديموقراطي يحتاج إلى إنعاش ولايته الرئاسية. فبعد بداية متسقة اتسمت بإعادة إطلاق العجلة الاقتصادية وتراجع تفشي وباء «كوفيد-19»، يجد بايدن نفسه غارقا في وضع صعب.
فالانسحاب الفوضوي من أفغانستان ترك آثارا والأميركيون محبطون جراء ارتفاع نسبة التضخم وانتشار المتحورة أوميكرون.
تبلغ نسبة الثقة ببايدن نحو 43%، وهو ما يعتبر عقبة كبيرة إذ ينبغي عليه التعامل مع معسكر ديموقراطي منقسم وأغلبية برلمانية ضئيلة جدا. واضطر الرئيس على التخلي عن مشروع ضخم للإصلاحات الاجتماعية بسبب تمرد سيناتور ديموقراطي واحد هو جو مانشين.
وبالتالي قرر بايدن الذي يواجه في الخريف المقبل انتخابات منتصف الولاية التشريعية التي تكون تقليديا محفوفة بالمخاطر بالنسبة للغالبية الموجودة، تغيير موقفه.
ومنذ فترة، يؤكد البيت الأبيض أن الأمر الملح حاليا لم يعد الاقتصاد، إنما حماية «حقوق التصويت».
فالمسألة متعلقة بتحصين عبر قانونين فيدراليين أحد أكبر مكتسبات حركة الحقوق المدنية: حق الأقليات وخصوصا الأميركيين الأفريقيين في التصويت، وهو أمر مهدد اليوم بإصلاحات بعض الولايات المحافظة.
ويعتبر ديڤيد شولتس أن بايدن قطع «وعدا كبيرا»، مضيفا أن الديموقراطيين «لديهم مهلة قصيرة جدا» لتمرير هذين النصين، قبل خسارة بعد بضعة أشهر ربما، سيطرتهم على الكونغرس.
ويرى هذا المحلل السياسي أن «في حال فشل (بايدن)، فسيشكل ذلك ضربة كبيرة لعهده الرئاسي».
وقد أصغى بعض الناشطين من أجل الحقوق المدنية بتشكيك لتصريحات الرئيس الذي استفاد خلال حملته من دعم شخصيات من الأميركيين الأفريقيين اعتبر حاسما آنذاك.
سأل كليف أولبرايت أحد مؤسسي منظمة Black Voters Matter Fund (صندوق الناخبين السود) «هل نعتقد أن لديه نوايا حسنة؟ نعم (...) لكنه فعليا لم يفعل ما يكفي خلال العام الذي أمضاه في الحكم من أجل حق التصويت»، وأعطى الأولوية للقضايا الاقتصادية.