قبل أكثر من عقد مضى تقريبا قام الملياردير الأميركي بيل غيتس بزيارة للهند وجلب معه نحو 50 ألف هندي متخصص في مجال الحاسب الآلي، كما تقدر أعداد العقول المصرية المهاجرة لأوروبا وأميركا وكندا بأكثر من 800 ألف عقل مهاجر، أما العقول العربية المهاجرة من العرب فحدِّث ولا حرج.
ولكن ما يهمنا بهذا السياق هو هجرة العقول الكويتية إلى دول الجوار والعالم وحتى هذه اللحظة للأسف لا يوجد حل لهذه المشكلة إن جاز التعبير.
وتعتبر هجرة العقول من أقوى المؤشرات على عدم استقرار البيئة الوظيفية لهذه العقول ومن أهم الأسباب التي تقف خلف الظاهرة الآتي:
أولا: تدني الأجور مقارنة مع أجور دول الجوار أو الدول المتقدمة.
ثانيا: التعسف الإداري والتفرقة في التعيينات والترقيات مثل التعيين بالباراشوت.
ثالثا: التدخل باستخدام الصلاحيات القانونية في تخصص المبدعين ووضعهم جهلا في المربع الخطأ.
رابعا: قلة الفرص المتاحة للمبدعين وعدم تفعيل آلية البحث العلمي بشكل واسع وتطبيقها على ارض الواقع والتي من خلالها يتم حل جميع أنواع المشاكل المزمنة في الدولة والتي عجزت عن حلها الاجتماعات الماراثونية العقيمة هذا بالإضافة إلى قلة العمل بالأبحاث العلمية المتاحة.
خامسا: عدم وجود حاضنة خاصة لأفكار المبدعين ومهاراتهم العلمية وعدم وجود خطط واضحة لتطبيقها ولو على المدى البعيد.
خامسا: وجود بيروقراطية عميقة ومعقدة أمام أفكار ومشاريع عملاقة لمبدعين كويتيين في جميع التخصصات العلمية وبالتالي تموت مشاريعهم بأرحام عقولهم ولا حياة لمن تنادي. سادسا: مع وجود الفساد لا توجد حرية علمية او أكاديمية يمكن الوثوق بها.
سابعا: تدني المستوى التعليمي الأساسي في مراحله الأولى في التعليم يجعل من إمكانية الدراسات العليا أمرا مستحيلا. وأخيرا: انعدام الاستقرار السياسي وتضخم الأسعار والنقص في مشاريع القطاع الخاص وتباطؤ النمو الاقتصادي في هذا القطاع يدفع أصحاب العقول إلى البحث عن فرص عمل أفضل لأفكارهم وإبداعاتهم ومشاريعهم.
ويجب على المشرع أن يعلم ان مشوار العلم لا ينتهي أبدا حتى بعد حصول المتعلم على شهادة الدكتوراه بل ان العالم الموهوب يعمل بعلمه حتى آخر يوم في حياته، وإذا كان الطبيب يعالج البشر فإن العلماء بكافة التخصصات يعالجون كل المشاكل التي تمر بها الدولة من خلال أبحاثهم العلمية.
وهنا لابد من إغلاق باب الشهادات المزورة وإلغاء جميع القوانين الماضية والمتعلقة بإعاقة تكملة الدراسات العليا وفتح المجال قانونيا وماديا وتحفيزيا أمام من يريد الحصول على شهادات عليا حتى وإن كان موظفا أو متقاعدا، وذلك لخلق شريحة من المواطنين المخلصين في دعم وإسناد الدولة بجميع التخصصات العلمية من أجل الوصول إلى حلة من الاستقرار السياسي والطبي والهندسي والاجتماعي والصناعي والاستثماري... الخ. أو أن تطلق العقول المهاجرة المتبقية ساقيها لرياح الهجرة بعد وصولها لليأس ودخولها جناح العناية المركزة العلمي.
وختاما: إليكم قطره أميركية من بحر العلوم الإنسانية:
قبل أن يوقع الجنرال دوغلاس ماك أرثر اتفاقية الاستسلام الياباني لأميركا مع الوفد الممثل للإمبراطور الياباني بتاريخ 2 سبتمبر 1945 على ظهر البارجة الحربية ميسوري والتي شاركت لاحقا في حرب تحرير الكويت عام 1991، وبعد اجتماعه مع العلماء الأميركيين من كل التخصصات صرخت في وجهه دكتورة في علم الاجتماع قائلة: إياك إياك أن توجه أي إهانة صغيرة أو كبيرة للوفد الممثل لإمبراطور اليابان لأن ذلك سيشعل الحرب من جديد وقد تخسر أميركا كل ما كسبته، فعمل بنصيحتها ومرت الأمور على ما يرام.