شخصية بروتوس في الأساطير اليونانية القديمة، ليس لديها شيء يميزها عن غيرها من الشخصيات التي كانت تتمتع بأسرار قوة مختلفة ومتنوعة كالطيران والاختفاء وغيرها، وعلى الرغم من ذلك كان دائم الانتصار ويصعب السيطرة عليه من الشخصيات القوية، وكان كل سر قوته يكمن في مقدرته السريعة على التأقلم والتحول السريع، فمثلا عندما واجه البطل مينلاوس في الأسطورة الشهيرة (الأوديسة) كان يتحول تارة إلى أسد ومن ثم الى دب وتارة ثعبان، وكان البطل الأسطوري مينلاوس على مقدرة عالية من القوة ويستطيع أن يسيطر على هذه الحيوانات بضربة سيف، لكن سرعة التحول لدى خصمه حسب الظروف، صعبت كثيرا عليه المهمة، وأصبحت هذه الشخصية المتحولة مضربا للمثل في كل المجالات، فعندما أراد شكسبير أن يمسي أحد أبطال مسرحيته (السيدان الفروريان) والذي كان يتسم بالمزاج المتقلب، والتغيير الدائم لحبيبته، أسماه بروتوس.
لا شك أننا نعيش في زمن السرعة، ليس على مستوى سرعة انتقال المعلومة فقط، بل حتى على المستوى الاقتصادي والسياسي، وخصوصا بعد أحداث كورونا وبعدها الحرب الروسية - الأوكرانية، فنلاحظ سرعة تحول الولاءات السياسية في العالم، فالذي يكره الصين ويناصبها العداء مثل إيطاليا، أصبح يمجد لها عندما احتاج الى الإمدادات الطبية وقت الجائحة، وهناك من كان يدعم أوكرانيا في خلافاتها مع روسيا تخلى عنها عندما بدأت الحرب.
أما على المستوى الثقافي فيرى الكثير من المختصين أننا نعيش في زمن «سيولة الثقافة»، وفيه الثقافات تمتزج بسرعة مع بعضها، وتتغير خلال فترات قياسية مقارنة بالماضي، وهذا انعكس على «الموضة»، التي كان لها موسمان بارزان للتغير، الآن مع ظهور ما يسمى الموضة السريعة، أصبح الوقت بين منتج الموضة ومستهلكها لا يذكر، لدرجة تداخلها مع بعضها، ومن ملاحظتي الشخصية انعكس هذا على الأفراد واعتناقاتهم الفكرية، فالفرد الذي يتبع فكرا معينا، تجده خلال فترة وجيزة يتركه وينتقل الى فكر آخر، وأحيانا يكون معاكسا لفكره الأول.
نحن كمجتمعات عربية واضح جدا أننا لم نتأقلم مع هذا التغير السريع الحاصل في العالم، حتى اللحظة كل أفعالنا عبارة عن ردود أفعال، والمبادرة في أي مجال تكاد تكون معدومة، والتغيير في النظام الإداري والاقتصادي والسياسي وهي عصب حياة العالم غير موجود، دول العالم المتقدم تقوم بوضع مراكز دراسات بميزانيات ضخمة فقط حتى تعرف بشكل مسبق عن الاتجاه التي سيحدث له التغيير وتسبق غيرها من الدول الأخرى له، وتحاول أن تصنع هذا التغيير حتى تسيطر عليه، ونحن لا نعرفه إلا بعد أن أكل عليه الدهر وشرب أو كما يقول المثل العربي «بعد أن طارت الطيور بأرزاقها»، ونكون مجرد مستهلكين لهذه التحولات والتغييرات السريعة، ولا يعني هذا أننا لا نستطيع أن نلحق بهذه المجتمعات، لكن قبل أن نبدأ أي شيء، يجب أن يكون لدى رجل الشارع العربي إيمان بالتطور والاستعداد للتضحية بالجهد والوقت في سبيل هذا الإيمان، وهذا ما نفتقده.