فرحة غريبة عشناها عند الإعلان الحكومي توقف نشر أعداد المصابين بكورونا وتخفيف القيود والتعايش مع فيروس كورونا الذي قيَّد الحياة الإنسانية لفترة طويلة، فلقد تداخلت مشاعر الفرح والسعادة مع الأفكار السريعة والتخطيط لاجتماع الأهل والأحباب إلى جلسات تأمل وعبر ودروس مستقاة من الجائحة.
القطاع الصيدلي كانت له زاوية إضافية في الموضوع، صحيح أنني كمتخصصة لم أستطع أن أمنع مشاعري الإنسانية التي انتابتني وأيضا توقفت أمام الدروس المتعددة التي تعلمناها فيما يتعلق بصناعة الأدوية، تلك الصناعة التي كانت ومازالت وبفضل من الله سبحانه تساهم وبشكل ملحوظ في الإبقاء بالبشرية وتجاوز الأمراض والأوبئة، فإن تمرض وتذهب إلى الطبيب لكي يكتب لك دواء تأخذه من الصيدلية هي عملية بسيطة، أما إذا ذهبنا إلى كواليس صناعة الدواء البسيط فسنجد عملية معقدة، وصناعة ضخمة. تتنوع العلوم التي تفيد في تصنيع الدواء واكتشافه وتطويره وبيعه ومن ثم استخدامه من قبل المرضى للعلاج والتداوي به، نظرا لأن تصنيع الدواء ليس بالأمر السهل، بل هو عمل شاق مستمر وجماعي يحتاج إلى الكثير من الإرادة والصبر والإصرار لإتمامه.
نحن كصيادلة نعتبر جائحة Covid - 19 نقلة نوعية مميزة في مجالنا، حيث بدأ عامة الناس والمجتمع يولي اهتماما أكبر بتطوير الأدوية واللقاحات أكثر من أي وقت مضى، وأصبح يستمع بحماس ويتابع ويقرأ بحرص آخر التطورات، كما خلقت الجائحة فرصة للتغيير في صناعة المستحضرات الطبية مثل تكوين مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تعاون الأكاديميين والشركات الصغيرة والمتوسطة الكبيرة، التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومبادرة الأدوية المبتكرة، وهذا التركيز غير المسبوق على الشراكة والتعاون يسري في جميع المجالات، حيث ساهمت مثل هذه الشراكات في معرفة ما إذا كان بالإمكان التخفيف من أسوأ آثار فيروس كورونا الجديد إلى إتاحة سرعة الوصول إلى الخبرة ونتائج البحث والقدرة على التصنيع وتبني تقاسم المخاطر مع القطاع العام. ولعل هذا من أهم الدروس المستفادة من الجائحة، حيث زادت من مرونة شركات الأدوية للتعاون وخلق مجتمع لشركائها للتعاون في حالات الطوارئ. فمنذ التعرف الأولي على الفيروس والذي استغرق مجرد أسابيع قليلة لمعرفة التسلسل الجيني، تم تطوير العديد من اللقاحات خلال 10 أشهر فقط، بالإضافة إلى ذلك، تم الآن تطوير العديد من اللقاحات المختلفة بسرعة قياسية، وذلك بفضل سنوات من البحث في الفيروسات ذات الصلة، ومنصات التكنولوجيا واستثمارات بمليارات الدنانير. كما أوضحت الجائحة حاجة الدول والأقاليم إلى التوجه نحو الاكتفاء الذاتي في صناعة الأدوية، وذلك بسبب النقص الشديد في المواد الأولية والأدوية بسبب حظر التصدير من كبرى الدول الموردة مثل الهند والصين، مما جعلت الحكومات في العديد من البلدان تعيد النظر في الاكتفاء الذاتي سواء بوجود مصانع أدوية لتلبية حاجة المجتمع للأدوية الأساسية أو في سلسلة التوريد، كما سنت بعض الدول لوائح جديدة لتجنب النقص في مثل هذه الأزمة في المستقبل.
لقد شهدنا استيعابا سريعا للتقنيات في قطاع الرعاية الصحية وصناعة الدواء، وهكذا ستتحول معظم الأمراض المستعصية بمرور الوقت إلى أمراض بسيطة يمكن القضاء عليها بسهولة بفضل الصناعة الأضخم (صناعة الدواء)، خاصة أن هناك إدراكا متزايدا بأن إزالة قيود COVID-19 لا تعني العودة التامة والنهائية للحياة الطبيعية لما قبل الجائحة، بل هو انتقال تدريجي مع استمرار الحذر والاستعداد لإعادة فرض التدابير الاحترازية متى ما لزم الأمر. اختلطت عليّ الأفكار والمشاعر وأنا أستمع إلى قرارات التخفيف بين فرحة وفخر ورضا، وجلست أسترجع أحداث العامين الماضيين، وكم من دروس تعلمنا من تلك الفترة وخاصة فيما يتعلق بصناعة الدواء، كنا ننتظر وبلهفة تخفيف القيود والتعايش مع الفيروس لنرجع الى ممارسة حياتنا بشكل طبيعي نوعا ما تدريجيا ونجتمع مع أحبابنا. كما أود أن أهنئ قطاع الصيدلة بدولتي الحبيبة بتدشين أول مصنع محلي للأدوية والتابع لإحدى كبرى شركات الأدوية العالمية والذي يعكس أهمية القطاع الخاص لتبني مثل هذه الشراكات والفرص الاستثمارية على الصعيدين الصحي والاقتصادي للدولة، ونقلة في قطاع الأدوية وصناعتها في المنطقة.