لقد أمسى وأصبح الفساد يشكل صفة أساسية من مشاهد الحياة اليومية في بلدنا وللأسف.. فقد هزت قضايا الفساد الكبرى والمتعددة التي خرجت إلى العلن خلال الفترات الماضية المشهد الكويتي المحلي لدرجة أن النقاشات عن الفساد أصبحت قضية أساسية من قضايا الوطن والمواطن!
وبالمناسبة، فقد أضحى الفساد بمنزلة قضية مؤرقة تهدد وجود الدولة وقدرة مؤسساتها على الاستمرار في عملها على أكمل وجه، أو على أقل وجه ممكن، وبلغ بؤرا لا نظير لها، إذ يضم شبكة معقدة من المنخرطين فيه، وصورا عدة لأشكاله، وهو لا يقتصر في الكويت على الاختلاس وتبييض الأموال فقط، بل هو منظومة منظمة تتقاطع مكوناتها ويغذي بعضها بعضا، ما يصعب عملية تعقبها ومكافحتها، فمن ناحية تأتي الرشاوى والمحسوبيات وخدمات تجاوز القانون والالتفاف عليه يولد سلوكا خطيرا يتسبب على نحو مستمر في الإهمال وغياب الكفاءة والأداء دون المستوى المطلوب.
ومن جانب آخر، وفي وجهة أخرى للفساد هو قيام البعض بادعاء بعض الأمور التي تستوجب تعويضات حكومية، مثل المرض، الذي هو بعد آخر من أبعاد الاحتيال، الأمر الذي كبد الدولة إنفاقا بلغت قيمته 3.5 مليارات دولار في الأشهر الـ 9 الأولى من العام 2018 فقط على معالجة مواطنيها في الخارج!، ليتبين فيما بعد أن تلك الحالات ادعت المرض للذهاب في رحلات سياحية، وانتهى الأمر بعدد كبير منهم في المستشفيات الأميركية، حيث لم تسدد الرسوم التي يصل مجموعها إلى 677 مليون دولار، ما دفع وزارة الخارجية الأميركية والكونغرس إلى إصدار بيانات يطالبان فيها الكويت بسداد فواتيرها.
يضاف إلى ذلك استغلال المخصصات التي تقدم لذوي الاحتياجات الخاصة، بحيث يدعي أشخاص الإعاقة للاستفادة من المساعدات المالية، وبطبيعة الحال أدخل هذا السيناريو الدولة في حرج شديد على المستوى الدولي! وهذا غيض من فيض وعينة من عينات الفساد. ومن ناحية أخرى، نقول إن ملفات الفساد التي لطالما تحدثنا عنها في مقالاتنا السابقة يجب أن تفتح على مصراعيها، بدءا من تجارة الإقامات والرقيق.. وقضية اليوروفايتر والخسائر التي لحقت بالدولة جراء مشاريع خاسرة في الاستثمارات الخارجية وغيرها، مرورا بالشهادات المزورة، وقضايا التعدي على المال العام، وقضايا تحصيل حقوق الدولة على الشركات المخالفة في مشاريع التنمية والتي تبلغ قيمتها 600 مليون دينار وهي من حق الشعب.
لقد أصبح حلم المواطن البسيط أن يرى وطنه دون فساد، أو على الأقل لنقل اختفاء قضايا الفساد لأقل حد ممكن، بحيث لا يؤثر على مستقبله الاجتماعي، ونقولها بالفم المليان إنه إذا استشرى الفساد المطبق على الدولة بهذا الشكل، فقد نصل إلى يوم تصبح فيه البلاد في مشهد مخيف ومغاير لما اعتدنا عليه طوال سنوات الرخاء الماضية وقد ندخل في كويت غير الكويت التي تعودنا عليها.. والله الموفق.
[email protected]