كل فرد في المجتمع مطالب بتحقيق العدالة بحسب النطاق الذي يعيش فيه، وأهم مواطن العدالة والانطلاقة الأولى لها هو أن يعدل الإنسان مع نفسه أولا، فالنفس حين تتغذى بالعدل وتعيش به وتتربى عليه، فإنها ستنطلق إلى المجتمع المحيط بها وهي تحمل بيرق العدالة والإنصاف عند كل موقف يمر عليها وعند كل مشهد، وحينئذ لن يرى من أقوالها وأفعالها أي صورة من صور الإجحاف والجور والهضم، لذلك النفس هي الأهم، ومنها ينبثق نور العدالة الأول.
وبعدما تتحقق العدالة على مستوى «الفرد ونفسه» يجب أن تتحقق تلك العدالة المرجوة والمنشودة على مستوى «الفرد والفرد المقابل له»، وبعد ذلك يتوسع نطاق العدالة ليشمل الحياة بأسرها، فالذي ولي من أمر الناس شيئا فعليه مراعاة العدالة في هؤلاء الناس، فرب الأسرة يعدل مع أسرته، والموظف يعدل في وظيفته، والمسؤول يعدل في المسؤولية الموكلة إليه، والمدير يعدل في إدارته، والوزير يعدل في وزارته، وهكذا.. حتى يتحقق العدل على مستوى كل كيان وكل مكان ومكانة.
وقد قيل قديما «العدل أساس الملك»، فمن ملك يعدل حتى يحافظ على ما يملك، وحتى يكون ذلك المملوك مصونا ومحفوظا من الأيام ومجرياتها وما بها من متغيرات وأحداث.
فالعدل أساس البقاء، وأساس النماء، وأساس العطاء، لأن العدل يعني تحقيق التوازن والاستقامة، ودون «التوازن والاستقامة» لن تمضي عجلة الحياة، وستكون تلك العجلة متأرجحة وضعيفة أمام كل حدث، بل قد تتهشم بأي لحظة، لأنها فاقدة التوازن والطبيعة المستقيمة التي تقوّم كل مسار معوّج.
لذلك، فإن العدل هو خيار اضطراري وليس اختياريا، لأن بقاء الإنسان في صورة متوازنة يكمن في عدالته، وحين لا يكون عادلا لن تكون صورته متوازنة، وانعدام التوازن يعني التلاشي والفناء مع مرور الوقت.
ومن أراد نيل تقوى الله فعليه بالعدل، فالله يقول في كتابه العزيز: (اعدلوا هو أقرب للتقوى)، فالخير كل الخير بالعدل، والشر كل الشر بالجور والظلم.
فالعدل أساس.. ومن تمزق أساسه فني وانتهى شيئا فشيئا.
****
(ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين).
HaniAlnbhan@
[email protected]