لسان المرء مرآة لما تخفيه نفسه، فبلسانك يحترمك الناس وبه تعاب وتنتقص، وربما أنجاك لسانك من الهلكة، لذلك قالوا في الأمثال «الصمت حكمة وقليل فاعله»، وقالوا أيضا: «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب»، وحتى إذا تكلم المرء عليه أن يزن كلامه ويحذر من فلتاته، وكثرة الكلام والثرثرة تضعف شخصية المرء وتطيح من قدرها، وما من شيء أجدر بطول حبس من اللسان.
ومن وصايا لقمان الحكيم لابنه: إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر بحسن صمتك.. وربما لا يعرف البعض أن للصمت سبع فوائد هي: عبادة من غير عناء، وزينة من غير حلي، وهيبة من غير سلطان، وحصن من غير سور، والاستغناء عن الاعتذار، وراحة للكرام الكاتبين، وستر للعيوب، وليس شيء أطيب من اللسان إذا طاب، والكلام مثل الدواء إن أقللت منه نفع وإن أكثرت منه قتل، وقد قيل في الأمثال: «جرح السنان ولا جرح اللسان»، ويقول الشاعر:
يصاب الفتى من عثرة في لسانه
وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته في القول تودي برأسه
وعثرته بالرجل تبرأ على مهل
ومن رزانة المرء أن يكون مستمعا أكثر منه متحدثا، فنحن نندم على الكلام مرارا ولا نندم على الصمت مرة واحدة، ومع ذلك فاللسان ثمرة القلب إذا أحسن استخدامه، وعليك أن تكون صامتا عند من هو أعلم منك وصامتا أيضا عند الجاهل.
وقد قال لنا المولى عز وجل: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) «ق - 18»، فنحن محاسبون على فلتات ألسنتنا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه في حديث طويل: «وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»، فمن كثر كلامه كثر سقطه وقلت هيبته وتجرأ الناس عليه، ولله در أبي العتاهية حيث يقول:
إن كان يعجبك السكوت فإنه
قد كان يعجب قبلك الأخيارا
ولئن ندمت على سكوتك مرة
فلكم ندمت على الكلام مرارا
إن السكوت سلامة ولربما
زرع الكلام عداوة وضرارا
فلنحفظ ألسنتنا من الزلل، وتكون ضمائرنا حية خاصة في هذا الشهر الكريم الذي تصفد فيه الشياطين، ودمتم سالمين.