كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً يتعوذ بالله من الخوف والحزن، لكونهما أولى خطوات اعتلال الشعور، وعليه فإن أول اضطراب نفسي عرضي للإنسان هو شعوره بـ«الخوف» إثر مثير معين، والخوف يكون دائما من المجهول، فتنتاب الفرد تبعات الشعور بالخوف من قلق وتوتر وشك وفزع وأرق وضعف إثر ذلك الاضطراب، ومن ثم تأتي المرحلة الثانية المتقدمة للاضطراب النفسي (الحزن)، وهو نتيجة إثر مصيبة أو كرب أو فقد... إلخ، في قوله تعالى: (فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني..) «القصص: 7»، فالخوف من المجهول بداية الاضطراب النفسي، ومن ثم يأتي الحزن كمرحلة ثانوية، وذلك ما يدعو له القرآن في الترتيب والتنسيق لمساق السرد الإعجازي في بيان حقائق الأمور، فالآيات الكريمة المحتوية على كلمتي الخوف والحزن كلها جاءت بالترتيب.
الإعجازي القرآني: الخوف كمرحلة أولية ومن ثم الحزن، وما بعد الحزن متاهات الاضطرابات النفسية والعقلية، في قوله تعالى: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) «البقرة: 38»، وفي قوله تعالى: (لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) «البقرة: 262»، والكثير من الآيات المماثلة.
حيث اعتلال الشعور يأتي في بدايته إيجابيا وليس سلبيا، ومن ثم يتدرج العرض إلى مرض، فعلى سبيل المثال: الخوف يكون في بدايته إيجابيا كمرحلة أولية طبيعية، في قوله تعالى: (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال..) «الرعد: 12»، فلولا الخوف من البرق وطمعا في بركة الخالق ورزقه لما رجعت النفس الغافلة لصوابها بعد انحرافها عن الحق ولما تقرب العبد لله في الدعاء والعبادة.
كما أن الحزن من تبعاته الكآبة أي من الاكتئاب، فبقية الأمراض النفسية والاضطرابات العقلية المتواجدة على ساحة الأمراض النفسية المعاصرة هي من أصل الحزن، حيث الحزن أول مراحل الاكتئاب الذي هو أصل جميع الأمراض النفسية والاضطرابات العقلية والسلوكية، وفي التدبر القرآني للآيات الكريمة نجد الآية التي تدعو أم سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم عندما قيل لها في قوله تعالى: (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني) «القصص: 7»، أي تدرج اعتلال الشعور من خوف إيجابي في البحث عن حل للحماية، وتكفل الله بحمايتها من الخوف العرضي والحزن المرضي، أما الآية التي تخاطب مريم بنت عمران عليها السلام، في قوله تعالى: (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) «مريم: 23-24»، أما السيدة مريم بنت عمران، عليها السلام، فقد اعتل شعورها بالخوف كعرض تبعا ما تم بيانه من الآيات الكريمة السابقة، ولكن ناداها ألا تحزني، وذلك يرجع للفرج القادم لها من بعد الكرب فيكفل لها الابتعاد عن اعتلال الشعور الكائن في الحزن والاكتئاب.
فإن لم يكن الفرد ثابتا على دينه محافظا على مثلث طاعته، فإن من السهل الدخول إلى متاهات اعتلال الشعور المرضي، والذي سوف يكون حديث مقالنا القادم بإذن الله في بيان مثلث الطاعة.
LinesTitle@