فوجئ صياد بأن السمكة التي اصطادها تتحدث، وتطلب منه بإلحاح أن يتركها، وافق على مضض، وقبل أن يطلقها اشترط أن تحقق أمنية زوجته بأن يحصلوا على بيت جديد عوضا عن الكوخ الحقير الذي يعيشون فيه، فتم له ذلك، وعندما عاد للبيت وجد زوجته السعيدة بتحقق أمنيتها، فروى لها ما حدث، تحسرت الزوجة وقالت: لو أنك طلبت قصرا وحديقة كبيرة لحققتها، عاد الرجل للبحيرة وطلب ما قالت زوجته، وتحقق له ما أراد، لكن الزوجة لم ترض أيضا، وكل يوم تزيد من أمنياتها والزوج يطيع، إلى أن طلبت ذات يوم بأن تتحكم في الوقت وطلوع الشمس وغيرها من الأمور الطبيعية، عاد الزوج للسمكة الناطقة التي غضبت بدورها، وقالت له: عد لمنزلك وستجد زوجتك في كوخكم القديم.
القصة تصور الطمع في النفس البشرية، وتتداول الجانب السلبي فيه، والزوجة هنا تقوم بدور النفس الأمارة بالسوء، ولكن لو لم يوجد الطمع ورغبة الإنسان بالتطوير من نفسه، لكن الإنسان مازال يعيش في الكهوف، لا يستطيع الإنسان أن يتخلى عن رغباته وطموحه وحتى جشعه، لكن يحاول أن يهذبها حتى لا تتجاوز الأطر الأخلاقية العامة، ويخفف من حدتها، وحسب نظرية برنارد ويليمز الفيلسوف الإنجليزي التي تتحدث عن أن للإنسان نوعين من الرغبات، رغبات مشروطة وأخرى غير مشروطة، المشروطة هي الرغبات البسيطة مثل نوع الطعام الذي سيأكله، نوع اللبس الذي يرغب بارتدائه، نوع السيارة التي يرغب بشرائها، وهذه الرغبات تنتهي بمجرد الحصول عليها.
أما غير المشروطة فهي طويلة المدى وأهداف حياة، مثل رغبة الأم بأن تربي أبناءها تربية صالحة، أو رغبة الإنسان بالحصول على منصب معين، وكلما زادت الرغبات غيرالمشروطة لدى الإنسان ازداد تعلقه بالحياة، فالطمع بمعنى آخر هو دافع رئيسي للحياة، رغم أنف السمكة الناطقة، وحسب النظرية أن جميع الرغبات التي تتكون لدى الإنسان ما هي إلا رغبة بالهروب من الاختلاء بذاته.
الغريب هو أن مع سيطرة النظام الرأسمالي على العالم، تزايد الشره لدى الإنسان للاستهلاك، فلو كان المناطقة الذين أطلقوا على الإنسان «حيوان ناطق» موجودين في عصرنا لحولوها إلى «حيوان مستهلك»، فلا يوجد أي نوع على الأرض يستهلك مواردها أكثر من الإنسان، ومع تزايد هذا الشره الاستهلاكي نزل مستوى الرغبات لدى الكثير من المجتمعات ذات الرخاء المادي، وأخذت بعض الرغبات التي كانت بالسابق مشروطة أو مؤقته تتطور لتصبح غير مشروطة أو دائمة، فمثلا تجد شخصا يعمل طول سنوات حتى يحصل على سيارة معينة، أو سيدة تأخذ قرضا ماليا يدوم لسنوات حتى تحصل على حقيبة وفستان من «ماركة» معينة.
نحن كمجتمعات خليجية لدينا الرخاء المادي نعاني بشكل واضح من هذا النهم الاستهلاكي، وتحولت الأمور الثانوية «الإكسسوارات» إلى أساسيات لدى الكثير، وأصبح في عقلنا الجمعي أن الإنسان الناجح هو الذي يركب سيارة فخمة، ولديه قصر، وسمكة ناطقة «واسطة» تحقق له أمنياته، دون بذل مجهود، وهذا الوضع بالطبع لا ينتج مجتمعا ناجحا، فالإنسان بالنهاية ابن مجتمعه، وإن كانت هذه اهتمامات المجتمع، فلن ننتج علماء ومفكرين، فالغالب مغموس بالاستهلاك.