وسعت الحرية عندنا في الكويت الأرض ومن عليها حتى طفحناها وباتت ماسخة، نحرت الحرية من الوريد إلى الوريد، فهل من مزيد؟
في الماضي كنا نقول نريد مساحة للحرية، واليوم نقول لا بارك الله بهذه الحرية التي تجاوزت حدودها ولم تعد تقف عند حد، أصبح الشتم والسب واللعن يقال له حرية، نعم الحرية كمفهوم شيء جميل لأنها تعطي الفرد حرية اتخاذ قرار أو تحديد خيار دون ضغط خارجي أو جبر أو شرط، وكذلك التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه، ولا شك أن الحرية مطلب كل فرد في المجتمع، ونعمة كبيرة تستوجب الحمد ولكن إذا اتسعت مساحة الحرية وانفلت عنانها وسارت بلا فرامل أصبحت نقمة وبلية ما بعدها بلية.
فالحرية بلا سقف خطر داهم وشر مستطير، والحق أنه لا توجد حرية مطلقة في العالم كله، فالحرية المطلقة كذبة كبيرة لأن حرية المرء مقيدة بضوابط دينية وأخلاقية وإنسانية تتواءم والمجتمع الذي نعيش به، وألا تتجاوز على غيرك باسم الحرية، والإنسان العاقل ينظر إلى واجباته وما عليه قبل أن ينظر إلى حقوقه وماله، نحن نعلم تمام العلم أن الحرية جوهر الإنسانية، لكن إذا انطلقت بلا قيود صارت مثل الحصان الجامح الذي يركل كل من اقترب منه، وفي النهاية تصل بنا إلى التشرذم والتشتت والهلاك، وهذا ما لا نريده ولا نرضى به.
وعلى العكس من ذلك، إذا استخدمت الحرية كما يجب كانت مظلة أمن وأمان واستقرار للمجتمع والدولة، ولا شك أن الحرية استخدمت اليوم لغير هدفها السامي، وانحرفت عن مسارها حتى صارت تستخدم ككلمة حق أريد بها باطل، وليس في صالحنا وصالح مستقبل بلادنا ترك الحبل على الغارب، من هنا أقول أصبحت الحاجة ملحة لسقف يحمينا من الحرية المطلقة، فما نراه ليس بحرية وإنما طوفان يأكل الأخضر واليابس، حتى وسائل الإعلام ضربها تيار الحرية بلا حدود، وإن الحرية بلا حدود فوضى بلا قيود وسيل لا تستطيع إيقافه أقوى السدود، كل إنسان حر بأقواله وأفعاله ما لم يتجاوز على القيم والأخلاق وقوانين الدولة، ونحن في الكويت بلد الحريات والديموقراطية ولكن ليس كما نراه ونسمعه.
واهم من يظن أن الحرية مطلقة، فهذا يعني الفوضى المطلقة، فلا يجوز استخدامها للإضرار بالغير والإساءة إلى الناس، والحرية سلاح ذو حدين إما طعنت به أو طعنك، نتمنى أن يراعي هؤلاء الناس ضمائرهم فيما يقولون ويكتبون، كما نتمنى على الدولة أن تردع كل من يتجاوز حدوده، وما أكثرهم هذه الأيام، وإني على ثقة بأن الدولة لو غلظت العقوبة انقطع دابر هذه الظاهرة المقيتة وعاش الناس في سلام وهدوء، ودمتم سالمين.