أفاض عمرو موسى، الديبلوماسي القدير الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، في أكثر من موقع من مذكراته عن التعبير عن ولعه بتدخين السيجار وهو أمر خاص به إن لم يكن أمينا عاما لجامعة الدول العربية، ويعرف جيدا أن هناك اتفاقية عالمية صادرة عن منظمة الصحة العالمية وصادق عليها معظم وزارات الصحة العرب، إذ إنه من بنود الاتفاقية ما يجعل تسويق التبغ محظورا حتى لو كان سيجارا، وهذا اعتداء على الاتفاقية ومساس بجوهرها.
وهناك أمانة فنية ومجلس تنفيذي لوزراء الصحة العرب يتبعون مباشرة للأمين العام لجامعة الدول العربية ولديهم الكثير مما يقال في هذا الموقف حتى لو كان الأمين العام أحد أطرافه مثل ما هو منشور في مذكرات عمرو موسى من إعجاب بالسيجار والترويج له على الرغم من أضرار التدخين.
وتساءلت بيني وبين نفسي عن جدوى حملات التوعية بمخاطر التدخين، بينما البعض يتفاخر بنكهة السيجار، وتساءلت أيضا عن جدوى التصديق على الاتفاقية الإطارية الدولية لمكافحة التبغ بينما تنتهك بنودها في مذكرات بعض ذوي المناصب الرفيعة.
وكذلك، فإن ناشر المذكرات يتحمل جزءا من المسؤولية بالترويج والتسويق المكتوب الذي يحمل رسالة لا يمكن تجاهلها عن الجدية والمصداقية في احترام المواثيق الدولية المتعلقة بالصحة والتي لم نلمس أي إجراء أو تعليق عليها من جانب وزراء الصحة العرب، بالرغم من مرور فترة كافية منذ صدور مذكرات عمرو موسى وما ورد بها من إعجاب وتسويق لتدخين السيجار.
ولا أعتقد أن خبراء تسويق السيجار كانوا سيفعلون مثله لتقويض الاتفاقية العالمية الإطارية لمكافحة التبغ، تحت سمع وبصر منظمة الصحة العالمية ومجلس وزراء الصحة العرب والناشطين في مكافحة التدخين والأمراض المزمنة غير المعدية، الذي قدمه لهم الأمين العام كوجبة شهية على طبق من فضة من مطبخ كل العرب البارعين في الكلام دون الأفعال أو الالتزام.
ويقول عمرو موسى في مذكراته: «لقد اخترت سيجارا فخما عكس الذي يدخنه رئيس فرنسا ساركوزي، وقال لي الرئيس يبدو أنك خبير في السيجار»، وقد أسهب الأمين العام في الحديث عن السيجار أمام الرئيس الفرنسي على الرغم من الاتفاقيات الموجودة التي تحظر التدخين أو الترويج له.
يجب على المسؤولين التنبه إلى مثل تلك المواقف التي يبدو منها عدم الالتزام بالمواثيق والاتفاقيات الدولية بل وتوثيق ذلك في المذكرات وعدم صدور أي تعليقات من ذوي الشأن، وكأن الاتفاقيات حبر على ورق والصحة هي آخر اهتمامات الساسة، بالرغم من دورها المحوري لتحقيق التنمية المستدامة، كما يردد الساسة ذوو المناصب الرفيعة من آن لآخر.